تلغرافات وشكاوى وصرخات يطلقها يوميا عشرات الآلاف من المصريين الذين
غدر بهم القانون رقم 148 لسنة 2019 قانون التأمينات والمعاشات الذي بدأ تطبيقه في
الأول من يناير 2020، وبالرغم من أننا في دولة 30 يونيو التي نراهن على عدالتها
إلا أن تلك الصرخات اليومية المؤلمة تذهب في فراغ الصمت العجيب، حتى أن وزارة
التضامن الاجتماعي عندما تتكرم بالرد مصادفة لا نجد في الرد سوى سكب المزيد من
البنزين على النار.
7 أشهر انقضت منذ بدء تطبيق القانون ولم تصدر اللائحة التنفيذية
له.. اللائحة التي تفسر الغامض وتشرح الإجراءات وتحدد الحقوق والواجبات ما زالت
تائهة في طرقات الوزارة ومبنى مجلس الوزراء وهو ما جعل مكاتب التأمينات في عموم
الجمهورية عبارة عن حلبة للجدال غير المتكافئ بين المتضررين من القانون وموظفي
التأمينات.. المتضررون هم من أمضوا 20 عاما من العمل ودفعوا اشتراكات منتظمة..
المتضررون هم عشرات الآلاف من المواطنين الذين تقترب أعمارهم الآن بين الخامسة
والأربعين والخامسة والخمسين.. هم الذين تحملوا في القطاع الخاص وربما القطاع
العام مرارات صاحب العمل ونوبتجيات السهر على ماكينات الإنتاج.. تحملوا عذاب
القوانين التي تعاقب ولا تمنح مزايا لهم.. عاش هؤلاء 20 عاما من الخوف حتى لا يقطع
صاحب العمل رزقهم بالفصل التعسفي وينغلق ملفهم التأميني فيجوع أطفالهم وقت
استحقاقهم للمعاش.
ولسبب أو آخر سواء غلق المنشأة أو تسريح لنسبة من العمال أو استقالة
إجبارية يتجه من أرهقه الزمن للحصول على معاشه ليفاجئ بالصدمة.. لا معاش ولا رد
للمدخرات ولا يحزنون.. يهرول إلى مصنع جديد محاولا الالتحاق بعمل يعيل به أسرته
فيتلقى الصدمة الثانية.. السن لا يسمح بالتعيين، حيث يشترط عدم تعيين من تجاوز 30
عاما.. إذن أين المفر؟
في زمن مبارك بعض المؤسسات كانت تحرص على تحرير استمارة 6 ضمن أوراق
التعيين ويعلم بذلك مكاتب العمل ومكاتب التأمينات وكل من خدم في زمن الثمانينيات
والتسعينيات ذلك الزمن الذي تعهد بتصدير أصعب جيل وأصعب حياة إلى مصرنا المحروسة.
وتكتمل حلقات مسلسل القضاء على هذا الجيل تماما بحرمانه من المعاش
بشكل قانوني.. تابعت صفحات على الفيسبوك وتويتر يبكي أعضاؤها دمًا على أعمارهم
التي ذهبت دون ثمن.. والغريب هو أن هذا الجيل تحديدا أستطيع وصفه بالجيل الأكثر
التزاما وارتباطا بتراب هذا الوطن هم أبطال اللجان الشعبية التي حافظت على أمن مصر
عندما انهارت منظومة الأمن بعد 25 يناير.. هو الجيل الذي يمثل الآن الخطوط الخلفية
لجيشنا العظيم في حربه ضد الإرهاب وأية حروب أخرى.. هو الجيل الذي تحمل تعويم
الجنيه دفاعا عن الاقتصاد المصري.. هو الجيل الذي اعتصرته مافيا الدروس الخصوصية
لتعليم أبنائه وها هو يقدمهم للوطن جنود في ساحات العمل والفداء إذا اقتضت الضرورة.
لذلك نسأل عن ذلك المستشار المؤذي أو اللجنة القاتلة باحتراف التي
صاغت القانون ونسيت إصدار اللائحة التنفيذية.. إن ما نراه يوميا لا يليق بدولة
العدالة دولة مصر الحديثة البازغة في 30 يونيو العظيم.. الحقوق والواجبات هما كفتي
ميزان وطالما سدد المواطن التزاماته وواجباته صار حصوله على حقوقه أمرا بديهيا لا
يحتاج إلى مراوغة أو وجع قلب.
ألف باء تعاقد في الدنيا هو أن العقد شريعة المتعاقدين وبما أن هؤلاء الضحايا تعاقدوا مع التأمينات على حقهم في التقاعد بعد عشرين عاما يصير لزاما على التأمينات الوفاء بتعاقدها.. إلا إذا كانت الأخيرة راغبة في زيادة الاحتقان بالمجتمع ولجوء المتضررين للقضاء الذي سينصفهم ولو بعد حين.