قرأت في الأسبوع الماضي مقالًا حول أذكى الأقوال التي أُثرت عن الكُتاب المصريين، ومنها ما قاله كاتب مشهور حين سألوه: "إن طُلب منك أن تسافر لكوكب بعيد تقيم فيه وحدك ومعك شيء واحد وزنه أربعون كيلو جرامًا. فماذا تختار؟". كان رد الكاتب غير متوقع وذكي جدًا حين قال بسرعة كلمتين: "سهير رمزي" في إشارة لجمالها وجمال صحبتها. ذكرني ذلك بردود جورج برنارد شو المشهورة، التي وصفها البعض باللاذعة والبعض الآخر بردود رجل ذكي يختصر الحياة في جمل حادة أحيانًا. ومن أذكى ردود برناردشو ما حُكي عنه حين تقدم برنارد شو في حفل أرستقراطي إلى سيدة جميلة وطلب منها مراقصته لكنها رفضت وهنا سألها شو عن السبب فقالت ساخرة منه وبترفع: "لا أرقص إلا مع رجل له مستقبل". وبعد قليل عادت المرأة إلى شو تسأله بدافع الفضول عن سبب اختياره لها بالذات... فقال: "لأني لا أرقص إلا مع امرأة لها ماضي"!
يسعى الكثيرون من البشر لتعلم تلك الردود القصيرة السريعة البديهة أو الطويلة ذات التأثير الآسر، لا سيما وقد قل هؤلاء الذين يمارسون هذه المهارة بتأثير في جماهير، إذ انصرف معظم الناس للصور والمبادرات الخارجة عن المألوف التي تروج لها كل يوم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جنوني. حتى أنك صرت تسمع ببساطة سؤالًا لا أظنه عادلًا: "ماهو الهاشتاج الذي تحدثت عنه اليوم؟" إذ لا يفترض بالمرء أن يهتم بقضية كل يوم، كان تبني قضية كل عام أمرًا منهكًا في الماضي، إذ كان الآخرون يهتمون بالقضايا فترات طويلة في كثير من الأحيان. ليس بالضرورة أن تكون قضايا مصيرية، بل قد تكون أيضًا قضايا هادئة الوتيرة مثل زراعة النباتات في شرفات المنازل التي دعا لها الكثيرون في منتصف القرن الماضي في سعادة وأناقة. كل هذا كان يصاحبه خطاب ردود لطيف ومؤثر أثر عنهم حتى اليوم.
مازال كتاب الراحل إبراهيم الفقي "فن الرد" يُباع حتى اليوم ورقيًا، ويتم تحميله بصيغة الـ PDf من مواقع إلكترونية متعددة، فالكثيرون يجدون "فن الرد على الآخر" مشكلة تحتاج إلى حل، وعدد كبير ممن يملكون ناصيتها يريدون تجويدها أكثر، إذ لا يتوقف الملايين عن التواصل في كل لحظة مع ملايين آخرين، وهذا التواصل يحتاج لأفكار تغذيه وأساليب تزيد من فعاليته في تحقيق أهدافه طوال الوقت.
تركز الكتب التي تتناول فن الرد على مهارات الحديث والاستماع المتبادلة مع الآخرين، عن طريق عدد من الإجراءات منها كسر حاجز الخوف، واكتساب صوت جذاب تناسب مع موضوع الرد، وتقديم افتتاحية جيدة حتى للردود البسيطة قد لا تتجاوز سؤالًا واحدًا أو جملة تقريرية واحدة، والانتقال السلس بين أجزاء الرد، وتقديم القفلة الجيدة للرد التي قد تتمثل في كلمة واحدة أحيانًا، واستخدام أساليب الرد الفعالة، واللغة الملفوظة البسيطة المناسبة ولغة الجسد المناسبة، والتغلب على الأخطاء الستة الشائعة في التحدث (عدم وضوح الهدف، نقص التخطيط، الأسهاب في ذكر المعلومات، نقص الدعم والأدلة، الصوت الرتيب والحديث الممل، عدم ملاءمة الحديث لاحتياجات المستمع).
لا شك أننا نرى ردودًا فعالة وقوية ومختصرة تظهر في وسائل الإعلام من الأجهزة الرسمية الوطنية المصرية في قضايا حاسمة، ربما كان هذا معلمًا تطبيقيًا للكثيرين الذين يطمحون لمزيد من التعلم ومزيد من النجاح. الرد الفعال نصف الطريق لرد الفعل الفعال.