الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بدل السكوت .. سيادة الطاغية : لا تولد هُنا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يموت الحاكم المستبد ، يتمدد ، يتكرر ، يتناسخ ويستمد قوته وسطوته من ضعف وخضوع رعاياه ، هكذا تذكرنا الروائية الصاعدة شيرين هنائى وهى تدق أجراس الصخب فى علاقة الحاكم والمحكوم بروايتها الرائعة " طغراء " ، تتجسد اسطورة القوة المطلقة ، والشر اللانهائى فى شخصية صلاح الدولة النجمى المملوك الكريه الذى صار أميرا وحاكما وطاغية وكلما قتلوه يُبعث من جديد ، فى كل زمان ساكبا ظلمه وظلامه على جسد الأمة ، وناثرا سمومه بين طبقات الشعب . 
فى كل زمان يعبد الناس طغاتهم ، يعظمونهم ، يؤلهونهم ، يمدحونهم ، ويعتقدون ما يعتقدون ، ويرون ما يرون ، يولد فرعون على أيدى منافقيه ، ويطل نيرون برضا الخاضعين له ، ويتجبر الحجاج الثقفى ، ويسفك الدماء اشباعا لرغبات ضحاياه ، هذا هو السر فى تكرار النماذج الانسانية القبيحة للظلمة والقاهرين ، فلولا المحكومون الجبناء الراضون بأدنى الحقوق ما كان الحكام الجبابرة . 
ما رسمته شيرين هنائى فى روايتها الجديدة مسَّ حقيقة المحكومين الذين يفتحون الأبواب للفراعنة ، ويجهزون المقاعد للمتسلطين ، وهو بالطبع ما يجب أن نرفضه ، ونقاطعه ، وننتبه له ، لأن الموتى لا يصنعون أوطانا حية ، والخائفون لا يبنون دولة ناهضة . 
أتذكر ذلك وأنا خائف أن يتحول حب الناس للمشير عبد الفتاح السيسى إلى نفاق ، وأن تتمدد شعبيته بين البسطاء إلى تقديس ، فالعصر ليس عصر الزعيم ، ولا ينبغى له أن يكون ، وما نريده ونتمناه ونحلم به هو رئيس محبوب ، وقائد واع ، وقائد يسمع نبض الناس ، ويتألم لآلامهم ، ويشعر بهمومهم ، ويعى مشاكلهم ويمتلك المبادرة لحلها .
لقد انتهى زمن الزعيم الفرد ، والقائد الأوحد ، والرئيس الأب إلى غير رجعة فى كل الدول الحرة ، وصار القائد دائما مُحاسبا ، ومُراقبا ، وموظفا ، وخادما لدى الناس . 
إننى أعى تماما أن المسئولية الملقاة على ظهر الرجل جسيمة ، وأن المرحلة الآنية استثنائية ، وأعرف تماما أن طيور الظلام مترقبة ، وأن أفراخ الشر تُعشش فوق حدائق هذا الوطن ، وأقدر تماما أن رصاص الغدر كافر ، ومؤامرات الفاشيين متعددة ، لكننى أرفض فى ذات الوقت أن تكون تلك العقبات سلالم لصعود فراعنة جدد ، ومعالم لميلاد طغيان آخر . 
إن حب الناس فضيلة عظيمة ، وجماهيرية القادة مِنة جليلة من الله ، وأمانة الحكم مهمة شاقة وصعبة ، لكن التاريخ لا يرحم مَن يطغى ويتكبر . والله أعلى وأعلم .