لا يموت الحاكم المستبد ، يتمدد ، يتكرر ، يتناسخ ويستمد قوته وسطوته من ضعف وخضوع رعاياه ، هكذا تذكرنا الروائية الصاعدة شيرين هنائى وهى تدق أجراس الصخب فى علاقة الحاكم والمحكوم بروايتها الرائعة " طغراء " ، تتجسد اسطورة القوة المطلقة ، والشر اللانهائى فى شخصية صلاح الدولة النجمى المملوك الكريه الذى صار أميرا وحاكما وطاغية وكلما قتلوه يُبعث من جديد ، فى كل زمان ساكبا ظلمه وظلامه على جسد الأمة ، وناثرا سمومه بين طبقات الشعب .
فى كل زمان يعبد الناس طغاتهم ، يعظمونهم ، يؤلهونهم ، يمدحونهم ، ويعتقدون ما يعتقدون ، ويرون ما يرون ، يولد فرعون على أيدى منافقيه ، ويطل نيرون برضا الخاضعين له ، ويتجبر الحجاج الثقفى ، ويسفك الدماء اشباعا لرغبات ضحاياه ، هذا هو السر فى تكرار النماذج الانسانية القبيحة للظلمة والقاهرين ، فلولا المحكومون الجبناء الراضون بأدنى الحقوق ما كان الحكام الجبابرة .
ما رسمته شيرين هنائى فى روايتها الجديدة مسَّ حقيقة المحكومين الذين يفتحون الأبواب للفراعنة ، ويجهزون المقاعد للمتسلطين ، وهو بالطبع ما يجب أن نرفضه ، ونقاطعه ، وننتبه له ، لأن الموتى لا يصنعون أوطانا حية ، والخائفون لا يبنون دولة ناهضة .
أتذكر ذلك وأنا خائف أن يتحول حب الناس للمشير عبد الفتاح السيسى إلى نفاق ، وأن تتمدد شعبيته بين البسطاء إلى تقديس ، فالعصر ليس عصر الزعيم ، ولا ينبغى له أن يكون ، وما نريده ونتمناه ونحلم به هو رئيس محبوب ، وقائد واع ، وقائد يسمع نبض الناس ، ويتألم لآلامهم ، ويشعر بهمومهم ، ويعى مشاكلهم ويمتلك المبادرة لحلها .
لقد انتهى زمن الزعيم الفرد ، والقائد الأوحد ، والرئيس الأب إلى غير رجعة فى كل الدول الحرة ، وصار القائد دائما مُحاسبا ، ومُراقبا ، وموظفا ، وخادما لدى الناس .
إننى أعى تماما أن المسئولية الملقاة على ظهر الرجل جسيمة ، وأن المرحلة الآنية استثنائية ، وأعرف تماما أن طيور الظلام مترقبة ، وأن أفراخ الشر تُعشش فوق حدائق هذا الوطن ، وأقدر تماما أن رصاص الغدر كافر ، ومؤامرات الفاشيين متعددة ، لكننى أرفض فى ذات الوقت أن تكون تلك العقبات سلالم لصعود فراعنة جدد ، ومعالم لميلاد طغيان آخر .
إن حب الناس فضيلة عظيمة ، وجماهيرية القادة مِنة جليلة من الله ، وأمانة الحكم مهمة شاقة وصعبة ، لكن التاريخ لا يرحم مَن يطغى ويتكبر . والله أعلى وأعلم .