الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

معنى الشغف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يقول الفيلسوف والمتصوف الهندى «أوشو»: «متى أدركنا معنى الشغف، فلن يكون صعبا إدراك العطاء أو التسامح». فالشغف حالة جسدية مادية، إنها خضوعك لسيطرة الجسد دون وعى بالنتائج.. تعنى أنك لست سيد نفسك بل عبدًا لانفعالك.

التسامح يعنى أنك تجاوزت حاجات الجسد، وتخطيت كل الحواجز النفسية، يعنى أنك تحررت من عبودية الجسد، وأصبحت سيد نفسك، وهكذا صرت تتصرف بوعى، غير خاضع لقوى خارجية هى تحدد قرارك أنت الآن حر التصرف بكامل طاقتك، وهكذا صار بمقدورك تحويل الشغف إلى عطاء.

منذ الأزل كانت هناك قصص عن أشخاص لم يعرفوا العطاء.. بل لم يكتفوا أبدا من المال.. أشخاص مثل الملك ميداس البطل الأسطورى اليونانى الذى طلب من الإله ديونيسيوس أن يحقق له أمنية، وهى تحويل كل شىء يلمسه إلى ذهب، لكن حتى طعامه وشرابه تحولا إلى ذهب وكاد يموت جوعا وعطشا.

الناس دائما جشعون هذا ما أثبتته الحروب والكوارث. كنت أسأل نفسى باستمرار: لماذا نحن هكذا؟ نحن لطفاء ومتعاطفون، لكننا أيضا أنانيون ومتهورون. نحن نعطى وندخر.. نبنى وندمر.. ما مشكلتنا.. ما الذى يحركنا؟
إن البشرية تقف أمام مفترق طرق وأعتقد أنها لحظة تاريخية، البيئة المادية مستنزفة لدرجة أن علينا الاعتناء بها، الحرب شىء علينا التفكير فيه لماذا يحدث كل هذا؟
الكثيرون من البشرية غير سعداء وفوق هذا كله تتابع العداء. هناك جشع لا حدود له مرتبط بالصعوبات الأخرى التى إن لم نميزها ونتعامل معها نعرض الجنس البشرى للخطر.
هكذا يقول «شيلدون سولومون» عالم النفس الاجتماعى، والأستاذ بكلية سكيدمور الأمريكية، ويتابع: البشر من ناحية شبيهون بأنواع الحيوانات الأخرى من حيث التشارك بالميول الحيوانية الأساسية بهدف البقاء، لكن من ناحية أخرى نحن أذكياء جدا، بحيث نميز أننا موجودون، من ناحية ثالثة هذا يمثل عبئا وجوديا كبيرا.
إن كنت تعرف أنك موجود فأنت تدرك أنك يوما ما ككل الكائنات الحية لن تكون موجودا. وإن كان هذا كل ما نفكر فيه وهو أننا سنموت، وقد يتعرض أحدنا فى أى لحظة لحادث قاتل. هذا الخوف الدائم من الموت مدعاة للتعاسة..

ما فعله البشر منذ أن وطأت أقدامهم هذه الأرض، هو البناء والحفاظ على ما يسميه علماء الأنثروبولوجيا اليوم بـ«الثقافة»، وكل الثقافات توفر وصفة ما للخلود، إما ماديا من خلال الجنة والحياة بعد الموت والتناسخ فى أديان بعض الديانات الأخرى، أو رمزيا من خلال الإيمان بأن بعضا من أثر شخوصنا سيبقى عبر الزمن، لهذا نريد إنجاب الأطفال، ولهذا نريد بناء الأهرامات، ولهذا نريد تأليف الكتب والسيمفونيات العظيمة، ولهذا نريد أن نكسب الكثير من المال!
إن البشر ميالون لاقتناء الكثير من الأشياء، لأن هذا من الناحية النفسية يمنحهم الشعور بأنهم قد يعيشون للأبد! إن هذا الأبد الذى يسعى إليه الكثيرون يفجر الرغبة والطمع والجشع والصراع الذى يطلق الغضب والعدائية من المنظور البوذى الفلسفى، وهذا ناتج كما تقول الراهبة البوذية «يونتسون كاندرو رينبوش» عن المحاولة المستمرة للشخص للنظر إلى كل ما هو غير صحيح.
هناك ثلاث حقائق أساسية وفقا للفلسفة البوذية.. أولا: أن الأشياء زائلة. ثانيا: المبدأ الأساسى أن كل ما يقال عبارة عن فراغ. لكن ما يحدث الآن هو أننا نحاول أن نبنى شيئا يجعلنا ننسى هذا. نحن نحاول أن نجعل الأشياء دائمة.. بماذا؟ بالصراع. وهذا الصراع ينتج الحقيقة الثالثة وهى: المعاناة. وحينها نبدأ بالتمسك بالأشياء. أى استمرار الصراع. وهذا الصراع هو المسئول عن كل المشكلات النفسية والعصبية والتى يعد الجشع أقواها.
أسطورة قديمة تقول يوما ما وصل «نرسيس» إلى ينبوع صاف جدا، بحيث رأى انعكاس وجهه وكأنه ينظر إلى مرآة، وعندما رأى انعكاس وجهه وقع فى حب جماله.

وبالقياس لهذه الأسطورة يقول «سولومون»: نحن أيضا نحب أن نرى أنفسنا كمركز للعالم. الفرد هنا مقياس لكل الأشياء، لذا نحن نبحث عن الاعتراف وتقدير الذات. نحن نشكل علاقات ونجمع الخبرات والصور والإعجابات والسيارات والملابس والأحذية، بصرف النظر عن سؤال جوهرى: على حساب من سيكون كل هذا! هل نحن كنرجسيين مدمنين على حبنا لذواتنا وحسب؟!