الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإسلام لم يأت لإذلال النساء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءتنى الاسبوع الماضى تعليقات كثيرة عن مقال"نستغيث بالرئيس..لسنا محظيات لرجال"..وقد أثار بعضها العديد من النقاط حول فكرة تعدد الزوجات، باعتبار الاعتراض عليها هو اعتراض على شرع الله!..وليس للمرأة الاشتراط على زوجها بعدم الزواج بأخرى، أو أن يعاهدها بذلك، لأن ذلك يخالف الشرع!..والواقع أن فكرة التعدد موجودة في المجتمعات البدائية، وكلما تحضر الإنسان قلت حاجته وقبوله للتعدد..لأنه يصبح أكثر تحكما وتهذيبا لشهواته، فلا تقوده ويكون لها الغلبة على حساب المشاعر والقيم الأخلاقية والإنسانية مع شريكة الحياة..فالإسلام لم يأت بفكرة تعدد الزوجات، بل حاول تنظيمها وتقليصها، كى يعيد الإنسان إلى الفطرة السليمة وهى الإكتفاء بزوجة واحدة..فقد نزل القرآن على مجتمع جاهلي، شاع فيه عبادة الاوثان وتغليب الشهوات ووأد البنات وتحقيرهن، فجاءت رسالته كى ترتقى بالنفوس وتعيد الحقوق إلى أصحابها..وكما لم يحرم الخمر مرة واحدة، كان تعدد الزوجات بنفس الفكرة..فمنح حق التعدد -الذى كان قبل مجيئه دون قيد أو شرط- ولكن قيده الله بشرط "العدل"..وأكد في آية أخرى -بشكل مطلق- عدم قدرة أى زوج على العدل مهما كان حرصه..سورة النساء(١٢٩):»وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ»..أى أن الله تعالى الأعلم بعباده نفى قدرتهم على إقامة العدل، وبالتالى فقد أراد تصعيب التعدد على عباده، كى لا يكون سوى للضرورة القصوى..ووضع شرطا يكاد يكون تعجيزيا، إلا في حالة تسامح الزوجة وقبولها التنازل عن بعض حقوقها..فمثلا هناك بعض النساء التى ترفض معاشرة أزواجهن، ولكنهن يردن الإحتفاظ برابط الزوجية لأسباب اجتماعية أو مادية، وبالتالي يقبلن بالتعدد، ويتسامحن في حقوقهن..أما من يفسرون أن العدل مقصود في النفقة والأمور المادية فقط، وليس في المشاعر والأمور المعنوية، ويستندون على الحديث الشريف:"اللهم هذه قِسْمتى فيما أملك، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك..فلولا أن الرسولﷺ يعلم أن الله تعالى قد اشترط العدل في كل الأمور، لما طلب من الله تعالى ألا يلومه على عدم إقامة العدل فيما لا يملك..وبالتالى فهو يعلم أن عدم قدرته على إقامة العدل يستوجب الاستغفار، رغم أنهﷺ لم يتزوج إلا لأسباب تشريعية، وليس لشهوة كما يدعى من يريدون إظهار الإسلام على غير حقيقته..أما من يشيعون أن التعدد هو الاصل، فلو كان التعدد صلاح للكون لما جعل الله لآدم حواء واحدة، رغم احتياج الأرض للاعمار والتعمير..ولو كان التعدد الاصل لمنح آدم وحواء بنات أكثر من البنين، كى يكون لكل ذكر أكثر من زوجة!..أما القول بعدم جواز أى شرط أو عهد يمنع التعدد، باعتباره شرع الله..فقد ذكر العلماء أن للمرأة أن تشرط ذلك، فإن خالف الشرط فلها الخيار إن شاءت بقيت، وإلا فسخ نكاحها منه عملا بالشرط..فالشرط لا يبطل زواجه الثانى، ولكن كما قال النبي ﷺ:"المسلمون على شروطهم"..وقال أيضا:"إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج"..فللزوج أن يقبل الشرط أو يرفضه، ويتزوج ممن لا ترفض التعدد..ولكن أن ينقض العهد فذلك ليس من الدين أو الخلق..وبالتالي فمن حق الزوجة أن تُطلق للضرر، لأنه ليس من المنطق إكراهها وإجبارها على حياة تمقتها، ورجل فقد إحترامه مع نقضه لعهده..وكيف تجبر نساء على ما لا تطيق، إذا كان الله تعالى نفسه لم يرغمنا على عبادته وهو القادر، وخيرنا بين الايمان والكفر!..وحين إختص أمهات المؤمنين بفروض لكونهن زوجات النبي، لم يكرههن على قبولها، بل قال في سورة الأحزاب(28):"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا"..خيرهن الله تعالى بين القيود المفروضة عليهن دون باقي النساء لزواجهن بالنبي، ولم يتوعدهن أو يهددهن في حالة إختيارهن للدنيا وتفضيلها على حياتهن مع رسول الله..بل قال أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا..فكيف يرضى سبحانه وتعالى على إكراه النساء جميعا وقهرهن على حياة يرفضونها..فالإسلام لم يأت لإذلال المرأة، بل جاء ليعز المسلمين وكل البشر..وكما أباح للرجل حق التعدد، منح المرأة حق عدم قبوله، ومنحها حق الطلاق وبدء حياة جديدة بعد شهور العدة..أما من يبيحون إخفاء الزوج لزواجه على زوجته، ويبررون الخديعة والكذب بدعوى الحفاظ على الأسرة وعدم تدميرها،!..فهؤلاء يتجاهلون أنهم لا يضيعون فقط الحقوق المعنوية والإنسانية التى تفرضها العشرة والدين والخلق، بل أيضا يضيعون الحقوق المادية..فالزواج أمر متعلق بالنفقة في الحياة والميراث بعد الموت..وفي حالة التعدد تتغير الحقوق الشرعية في كلاهما..وكما تقتسم الزوجات الرجل وماله في الحياة، يقتسمون الميراث!..وبالتالي قد تفاجأ الزوجة التى أفنت حياتها ومالها وصحتها أن هناك من ستقتسم معها حصاد العمر، والذى قد تكون هى أول مصادره..وكم من نساء يحملن ويتحملن أسرهن بلا شكوى أو ضجر..وقد ينفقن ما يفوق الزوج، أو ينفقن عليه في بعض الأحيان!..فهل من المروءة إخفاء الزواج بأخرى، كي يستمر في استنزاف الزوجة ماديا وعاطفيا وجسديا، حتى تكتشف الخيانة التى يبيحونها بإسم الشرع!..أتمنى أن يتقوا الله في شرعه، ولا يفسرونه وفقا لأهوائهم، حتى لا يفتنون الناس في دينهم!