انشغل العالم بجائحة كورونا و ترك وراءه وبدون قصد المرضى الذين يعانون من الأمراض الأخرى الصعبة.. قليلة هي الحكومات أو المنظمات أو وسائل الإعلام التي انتبهت للتجاهل الشديد للمرضى الذين يعانون من السرطان والقلب والفشل الكلوي والكبدي وغيرها من الأمراض المزمنة التي تستلزم الرعاية و المتابعة المستمرة وقد أدى إلغاء مواعيدهم على مدى الشهور الماضية أو حرمانهم من سرير بمستشفى إلى زيادة ظروفهم الصحية سوءا وربما مات بعضهم جراء ذلك.
وترجح دراسات أن نحو 475 مليون مصاب بأمراض صعبة هم الأكثر تضررًا من الإغلاق شبه التام للمستشفيات على مستوى العالم خلال ثلاثة أشهر انصبت خلالها الجهود للعناية بمصابي فيروس كورونا.
ومقالي اليوم يعكس المخاوف من ذلك التجاهل.. هو بمثابة صرخة من هؤلاء الذين تجاهلتهم الأزمة للتوعية والتنبيه بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لمنع تكرار سيناريوهات قد تكون فيها المخاطر الصحية المحتملة لإهمال الرعاية لمرضى غير كورونا أكبر من مخاطر الإصابة بالفيروس حيث انه من الواضح تمامًا أن كورونا مازالت مستمرة معنا لبعض الوقت ولا أحد يدري عن موجاتها القادمة شيئا أكثر من توقعات العلماء والباحثين التي تصادف مرة وتخلف مرات؛ لذلك نحن في أمس الحاجة إلى حلول مبتكرة لضمان وصول الجميع إلى الرعاية الصحية الأساسية وبناء خدمات موازية تتسع لأعداد المرضى بغير كورونا وتحقق لهم الحماية وكذا للقائمين على الخدمة الطبية.
هناك أعداد كبيرة يعيشون على حافة الحياة كل يوم ويعانون من حالات صحية مزمنة وقد انخفضت الخدمات الطبية المقدمة لهم بدءا من الحصول على خدمة سيارات الإسعاف مرورا بالتشخيص والفحوصات وصولا للرعاية السريرية والعمليات الجراحية.
هذا بالإضافة إلى القلق الطبيعي الذي ينتاب المرضى الذين يصابون بأعراض متطورة ويحجمون عن الذهاب إلى طبيبهم أو أي مستشفى خوفًا من الإصابة بـكورونا. ربما نعرف هذه الحالات من محيطنا ودوائرنا ولكن لا توجد أرقام أو حتى توقعات بأعدادهم. فكم عمليات تم إلغاؤها أو إرجاؤها في المستشفيات العامة على امتداد الجمهورية وصنفت على أنها "غير ملحة"؟ وكم حالة سرطان لم يتم تشخيصها لأن المرضى لم يجدوا طبيبهم أولم يجدوا موعدا لإجراء الأشعة أو العينة أوهم من تجنبوا الذهاب للفحص؟ وكم جرعات علاج تم تأجيلها لأن الأسرة محجوزة؟ والقياس جائز أيضا لكافة الأمراض.
في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال هناك 70% من المصابين بأمراض مزمنة صعبة خافوا من الذهاب للمستشفيات في زمن كورونا وفقًا لما ذكرته الكلية الأمريكية لأطباء الطوارئ. كما شهدت غرف الطوارئ انخفاضًا بنسبة 50٪ في الزيارات لغير مرضى كورونا، مما يعني أن عددًا كبيرًا من الأشخاص ينتظرون وقتا طويلاً في البحث عن العلاج، مما قد يؤدي إلى سوء حالة المريض والوفاة المبكرة. وشهدت الفحوصات الوقائية أيضًا عددًا أقل بكثير من الزيارات مقارنة بمعدلات الفحوصات في الأوقات العادية. كما أن الحالات الحادة المميتة مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية والتهاب الزائدة الدودية هي أيضًا قد سجلت مستويات منخفضة من دخول المستشفيات، على الرغم من أن حدوث هذه الحالات في عموم السكان ليس من المرجح أن يكون قد تناقص.
صحيح أن الاستشارة الطبية عن بعد قد تجلب بعض الراحة وقد لجأ العديد من المرضى إليها مضطرين، لكن لا يمكن إدارة العديد من الحالات المميتة الشائعة بشكل كاف من خلال محادثة فيديو أو مكالمة هاتفية مع طبيب.
ويشير نفس التقرير السابق إلى أن الرعاية الصحية في الولايات المتحدة انخفضت بشكل واضح؛ فالاستشفاء انخفض بنسبة 35 ٪ للرجفان الأذيني مثلا ، وهو ضربات القلب السريعة غير المنتظمة والمتسارعة والتي يمكن أن تزيد خطر التعرض للسكتات الدماغية، أو فشل القلب، أو أي مضاعفات أخرى متعلقة بالقلب. بينما قل الاستشفاء للجلطات بنسبة 31 %، و28% للصرع والنوبات العصبية، و24% لنزيف الجهاز الهضمي.
أما مرضى السرطان فكان هناك انخفاض كبير في فحوصات السرطان خلال الوباء مقارنة بالمعدلات السنوية المعتادة ، حيث يتم سنويا تشخيص 18 مليون شخص بحالات جديدة من السرطان في أمريكا، ويعد السرطان ثاني سبب رئيسي للوفاة في العالم وهو مسؤول عن نحو 9.6 مليون حالة وفاة - واحدة من كل ستة مرضى حسب إحصائية عام 2018 .
ومن المعروف أن الكشف المبكر أمر بالغ الأهمية لهذا المرض الخبيث. بالنسبة لسرطان عنق الرحم، على سبيل المثال ، يبلغ معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات 93% عند تشخيصه قبل انتشار السرطان، ولكن 15% عندما يكون السرطان في مرحلة متقدمة.
كما يقلل الاكتشاف المبكر أيضًا من تكلفة علاج السرطان، وتعد تكلفة العلاج للمرضى الذين يتم تشخيصهم مبكرًا أقل من مرتين إلى أربع مرات مقارنة بتكلفة المرضى الذين تم تشخيصهم في مرحلة لاحقة.
وقد انخفضت اختبارات سرطان عنق الرحم بنسبة 68.2% خلال الأسابيع الخمسة عشر الأولى من عام 2020 مقارنة بالأسابيع الخمسة عشر الأولى من عام 2019 ، واختبارات سرطان المبيض بنسبة 33.8% ومراقبة سرطان الثدي بنسبة 17.4%.
وليس من المفاجئ إذن أن شركة تحليلات البيانات لاحظت انخفاضًا بنسبة 31% في عدد مرضى السرطان الذين تم تشخيصهم حديثًا في شهري مارس وأبريل في الولايات المتحدة. على وجه التحديد، انخفض عدد مرضى سرطان الثدي الذين تم تشخيصهم حديثًا بنسبة 8.4%، وعدد مرضى سرطان المبيض بنسبة 8.6%، وعدد مرضى سرطان القولون والمستقيم بنسبة 14%.
ولا تختلف الوضعية في بريطانيا كثيرا عن أمريكا.. حيث ترجح دراسة أجرتها هيئة الخدمات الصحية البريطانية ونشرتها "ذي صن" 3.5 مليون مريض تتراوح حالتهم من التهاب روماتويد إلى سرطان لم يحصلوا على الخدمات والرعاية الصحية اللازمة لحالتهم على مدار الأشهر الأربعة الماضية. كما أن حوالي 4 ملايين مريض ينتظرون إجراء عمليات جراحية كما أن 2700 حالة سرطان تم تجاهلها على الأقل أسبوعيا بسبب إجراءات الإغلاق.
أتمنى أن يكون لدينا دراسات مماثلة، وإذا كانت موجودة بالفعل فأتمنى أن يتم نشرها وهذا من شأنه أن يطمئن الرأي العام وبشكل خاص أصحاب الأمراض الصعبة ويمهد لعودة منظمة ومدروسة للالتفات إليهم عسى أن يكون حظهم أفضل في الرعاية ممن فقدناهم في ظل الأزمة.
olfa@aucegypt.edu