اللغة هي وعاء الفكر وأداة التواصل والاتصال بين الأفراد وبعضهم البعض في المجتمع الواحد. تتخذ حروفها نفس الأشكال، وتتواصل لتكون الكلمات التي ننطقها بنفس الاصوات التي تحمل نفس الدلالات. بها نفكر وبها نبكي ونفرح ونغني ونحزن ونعبر عن مشاعرنا ونوثق بها علاقاتنا وننقل المعلومات أيضا وغيرها من الوظائف التي أعتبر أهمها هي المحافظة على التراث الذي يميز كل مجتمع. اللغة هي الشعب هي الدولة هي التاريخ هي الحضارة. ولذا تحرص كل أمة على لغتها قدر المستطاع لأنها ليست سجينة قوالب ولا تحدها متاريس. اللغة حية سيارة متغيرة متداخلة ومواكبة دائما لكل عصر بمفرداتها الجديدة بدلالاتها التي تتسق مع المستحدثات. اللغة عالم يصطخب بالحياة، ولهذا وجدت القواميس التي تحتوي على معاني وكلمات ربما غابت أو هجرت أو خفت استخدامها في الحياة اليومية. اعتدنا قواميس اللغة الفصيحة وليست قواميس اللغة العامية. وهو ما أثار انتباهي حينما عثرت على كتاب "المرجع السبلاوي في الكلام المصراوي" للكاتب د. ناصر السعيد سبلة الذي يعد أكبر قاموس للعامية المصرية ففي جزئه الأول فقط يتضمن الكلمات البادئة من الألف حتى الراء ١٧٧٤ جذر كلمة. وهو يتضمن جميع القواميس السابقة عليه من أول كتاب "دفع الإصر عن كلام أهل مصر" ليوسف المغربي الصادر في القرن السادس عشر.. ومرورا بالكلمات العامية في الادب العامي في العصر المملوكي. والكلمات من كتاب "هز القحوف في شرح قصيد ابو شادوف" من القرن السابع عشر والذي يعد اول كتاب بالعامية بالكامل لصاحبه يوسف الشربيني، الذي كان يعيش في مدينة شربين بالدقهلية مثل المؤلف. يتضمن الكتاب أيضا قاموس سقراط سبيرو والتحفة الوفائية لوفا أفندي من نهاية القرن التاسع عشر. وكتب القرن العشرين معجم تيمور الكبير للعلامة أحمد تيمور وقاموس العادات والتقاليد لأحمد أمين. وموسوعة الأمثال الشعبية المصرية والتعبيرات السارة لإبراهيم شعلان في ستة أجزاء في نهاية القرن العشرين. هذا غير الكلمات التي جمعها الكاتب جمعا ميدانيا من أهالي منطقته التي تربى فيها بالدقهلية (محلة دمنة وأجوارها.. وشربين واريافها). والأمثال الشعبية وكلمات الصعيد المجهولة التي لم يتضمنها اي من القواميس السابقة. لعل أكثر ما يميز جهد سبلة هو بحثه في أصول بعض الكلمات من اللغة المصرية القديمة وكتابة الأصل بالخط الهيروغليفي والقبطي لكلمات وصل عددها ٣٩٤ هيروغليفية و١٦٦ قبطية. يذكر ناصر أن والده الشاعر سعيد سبلة هو من شجعه على تقديم هذا القاموس.هذا الجهد الذي يغرقنا في مصريتنا منذ الفراعنة وحتى اليوم لطبيب تخدير تجاوز مهنته هذه المرة لينعش ذاكرتنا ويحفظ هويتنا بما نستطيع الرجوع إليه دائما حينما نتحدث عن الحبيبة مصر.
آراء حرة
المرجع السبلاوي.. قاموس العامية المصرية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق