يوميا تزداد الدعوات حول العالم لحظر تطبيق «تيك توك» الذى برأيى يستحق أن يمنع تماما. هناك ما يقرب من مليار مستخدم نشط، لكن ماذا يقدمون لنا؟
«تيك توك» الصينى بكل المحتوى السطحى به، دخل على خط الحرب الباردة بين أمريكا والصين، وأخذت عدة حكومات حول العالم تصريحات مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى بخطورة تطبيق «تيك توك» على محمل الجد فيما يتعلق بالأمن القومي.
لقد كانت أمريكا هى «الأخ الأكبر» على الدوام ترسم وتخطط نمط حياة الملايين من البشر، ونجحت عبر عملاقيها فيسبوك وجوجل فى ذلك. أبت الصين أن تدور فى هذا الفلك، وأمريكا لن تقبل بأن تكون الصين من يلعب هذا الدور الآن!
«تيك توك» ليس تطبيقا للتواصل لا نجده ينمى أى علاقات اجتماعية سوية! بل يحرض على الكثير من السلوكيات اللاأخلاقية تحت ستار دعائى «التسلية» عبر الفيديوهات القصيرة. الصورة الأولية التى تعاطى معها كافة المستخدمين هى الترفيه وتزجية الوقت لاسيما فى وقت الحظر والحجر المنزلى الإجباري، فوجدنا أسرا بأكلمها تشارك فى صناعة المحتوى! ربما هو منبر يعمل على إتاحة الفرصة للمواهب، ولكننا وجدنا طوفانا من المحتوى الرديء والمقيت يطفو ويغمر كافة مواقع التواصل الأخرى من فيسبوك وإنستجرام بربطهم به وللأسف نتعرض لهذا المحتوى شئنا أم أبينا!
أكثر ما لفتنى هو مقاطع الفيديو الجاهزة التى يتم تقليدها من قبل المستخدمين. الحركات العصبية التى لا تنم عن أى توافق عصبى وحركى مع الموسيقى، حركات مكررة، بات الأعضاء كأنهم نسخ آليه من بعضهم.. الحركات السمجة ذاتها.. التحجر فى الأداء الحركى يعكس ما وصلنا إليه من تدهور فى اللياقة البدنية لمعظم المصريين، أمة عرفت الرقص ونقشته على المعابد وعلمته للبشرية، بات الغالبية من أبنائها لا يتقنون التوافق الحركى الإيقاعى الذى لا أعلم بما يؤشر عليه من مشكلات فى التوصيلات العصبية للخلايا الدماغية، فهو بحاجة لرأى المتخصصين فى الطب النفسى العصبي، ناهيك عن ضياع الحس الفنى وهى كارثة كبيرة أيضا.
ندرك من خلال دراسات مواقع التواصل الاجتماعى أنها تقوم بأبحاث عن سلوكيات المستخدمين ونستعين بها كباحثين فى دراسات سوسيولوجية وسيكولوجية فى دراسة السلوكيات والتفاعلات بين الأعضاء وهناك من يقومون بدراسات الذكاء الاصطناعى يأخذون الملامح ويدرسونها وكذلك الانفعالات.. وهكذا بتنا جميع حقلا للدراسات والتجارب والأبحاث!
دراسة أجريت حديثا من قبل مركز «جلوبال ويب انديكس» على سلوك مستخدمى تيك توك أجريت على مدى قصير نسبيا هو شهر أوضحت أن نسبة 68% من المستخدمين يشاهدون فيديو لمستخدم آخر، بينما 55% يقومون بتحميل مقاطع خاصة بهم. يقضون على الأقل 55 دقيقة يوميا فى تصفحه. وهو ما يعيدنى إلى نقطة خطيرة وهى تكريس «الافتتان بالذات» للمستخدمين المراهقين وإعلاء الأنا والنرجسية فى هذه السن الحرجة. وقد كان هذا الأمر رائجا مع السليفى إلا أن حده الافتتان قلت مع الحظر المنزلى وتراجعت مؤشرات ثقافة الاستهلاك وحلت محلها سلوكيات معتدلة نوعا ما على مواقع التواصل الأخرى، وذهب أعضاء مواقع مثل فيسبوك وتويتر مسخرين جهودهم لنشر الوعى والفكر وتأججت قيم تقديم الدعم والمساندة عبر مشاركة المحتوى الهادف من أجل الوقاية من كورونا ومخاطر الفيروس ومشاركة الأرقام المهمة وغيرها.
لاشك أن الفائدة الكبرى من مواقع التواصل الاجتماعى هى التشبيك بين الجماعات الافتراضية، التمكين الثقافى، وتحقيق العدالة الثقافية وهى ما خلصت إليه فى دراستى عام 2013 عن «فيسبوك» وتأثيره فى ثقافة الفضاء الافتراضى وآليات التفاعل عليه..
الإشكال الذى يقع فيه الشباب والأسر اليوم هو أن تلك المواقع تؤثر بشكل كبير على تنشئتهم الاجتماعية للدرجة التى يتماهى فيه إدراكهم ما بين الواقعى والافتراضى فهم يعدون هذا الافتراضى جزءا من واقعهم.
لكن الظاهرة الخطيرة التى لاحظتها بين أبناء بعض الأصدقاء من المراهقين هو أن الأبناء باتت لديهم قناعة بأن هذا هو طريق الشهرة والمجد والأموال دون جهد. ما الذى يجديه أن تظل تدرس وتكافح وتتعلم وتحارب من أجل تحقيق ذاتك فى العمل وتصارع لأجل ما بنيته وقد لا تجنى ربع ما يجنيه أحد «مشاهير تيك توك»؟! سؤال يطرحه الأبناء الآن! وعلينا أن نبحث عن إجابات!