الأطراف الدولية والإقليمية تؤكد في اجتماع مجلس ضرورة إنهاء وجود المرتزقة وتفكيك الميليشيات والعصابات المسلحة.
ربما بات وزير الدفاع التركى خلوصى أكار أقرب الآن إلى الاقتناع بأن ما قاله على متن بارجة حربية قبالة سواحل طرابلس حول بقاء جنوده للأبد في ليبيا، محض أضغاث أحلام استعمارية لن يسمح لها أحد بتجاوز خيالات الأتراك.
الطائرات المجهولة التى نسفت منظومة الدفاع التركية في قاعدة الوطية (١٤٠ كم جنوب غرب طرابلس)، ويفصلها ٢٧كم فقط عن الحدود التونسية حملت رؤوس صواريخها المدمرة عدة رسائل شديدة اللهجة لزعيم الإرهاب الدولى رجب طيب أردوغان؛ أهمها أن هناك في الإقليم من اتخذ قرارا حاسما بطرد المحتل التركى ومرتزقته من كل الأراضى الليبية، وأن هذا الطرف الإقليمى لا تنقصه القدرة العسكرية لإنفاذ إرادته المتمثلة في إنهاء الوجود التركى تماما وإفشال جميع مختطاته بدءًا من إنشاء قواعد عسكرية في الوطية ومصراته ومرورا بمحاولات شرعنة تواجد المرتزقة السوريين وميليشيات وعصابات داعش والقاعدة بدمجهم فيما يسمى بالحرس الوطنى، وصولًا بنهب ثروات الليبيين ومقدراتهم عبر اتفاقات اقتصادية مشبوهة وفرض تسوية سياسية تسمح بتمكين جماعة الإخوان الإرهابية من حكم ليبيا.
الطرف الإقليمى المسئول عن عمليات الطائرات المجهولة وبغض النظر عن هويته التى أثار غموضها خوف أردوغان ذهب بأشباحه المدمرة إلى عمق تواجد المحتل التركى في ليبيا متجاوزا سرت والجفرة الخط الأحمر الذى لم يعد مصريًا فقط بعد توافق غالبية الأطراف الدولية على حدوده ليؤكد لأردوغان أن ليبيا كلها خط أحمر لأن استمرار بقاء المحتل التركى وتنفيذ مخططاته يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومى لجميع دول الجوار الليبى، علاوة على تهديده للسلم والأمن في عموم منطقة البحر المتوسط.
دبلوماسية الأشباح الطائرة والمدمرة ما يمكن تعريفه عملية نسف منظومات الدفاع الجوية التركية المتطورة به، وقد يلجأ الطرف الإقليمى صاحب هذه الدبلوماسية إلى عمليات مماثلة ليمنع وقوع حرب اقليمية ذات بعد دولى حال لم تهرع أنقرة وخكومتها الإرهابية للبحث عن منفذ للخروج من المشهد الليبى بما يحفظ ماء وجهها، الشىء الوحيد الذى قد يسمح به لأردوغان كحد أقصى دون تحقيق أى هدف من أهدافه الاستعمارية التى تدور في فلك الإستراتيجية أكبر تسعى إلى تطويق مصر من حدودها الغربية عبر نشر آلاف المرتزقة والعناصر الإرهابية وإدارة الاستخبارات الليبية من خلال خالد الشريف أحد قيادى الجماعى الليبية المقاتلة المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابى والذى يسعى اردوغان لتعيينه مديرًا لجهاز مخابرات عصابة فائز السراج.
رسائل الطائرات المجهولة، أو بالأحرى دبلوماسية الأشباح المدمرة وصلت سريعا إلى الأطراف الدولية والإقليمية التى شاركت في اجتماع مجلس الأمن مساء الأربعاء ٨ يوليو ٢٠٢٠ حيث أجمع غالبيتها على ضرورة إنهاء وجود المرتزقة وتفكيك الميليشيات والعصابات المسلحة، ورفض كافة أشكال التدخل الأجنبى مع التأكيد على الالتزام بالقرارات الأممية الخاصة بحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا بل إن ألمانيا حذرت من فرض عقوبات صارمة على منتهكى تلك القرارات.
وقد بدا من كلمات وزراء خارجية ومندوبى غالبية دول الاتحاد الأوروبى، أن هناك شبه توافق أوروبى على أن سلوك تركيا في ليبيا بات يهدد بإشعال حرب إقليمية فوق سطح مياة المتوسط، علاوة على أنه قد تسبب فعليا بإشاعة الفوضى والعنف في مناطق الغرب الليبى، وهى الفوضى التى قد تمتد إلى الجنوب في دول الساحل والصحراء علاوة على تونس والجزائر الجارتين الملاصقتين لتلك المناطق التى تعج بآلاف المرتزقة والعناصر الإرهابية الخطرة.
النقاشات التى دارت في مجلس الأمن والتى شهدت تأكيدًا مصريًا على حيوية دور الجيش الوطنى الليبى في مكافحة الإرهاب وقدرته على طرد جميع تلك التنظيمات من جميع المناطق الشرق والجنوب الليبى تؤشر إلى ضرورة بذل جهد دبلوماسى مضاعف للتأكيد على أن الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر هو المؤسسة العسكرية الوحيدة القادرة على حفظ الأمن وملاحقة العناصر الإرهابية والقضاء على الهجرة غير الشرعية نحو شواطئ أوروبا خاصة واـن جميع المناطق التى يسيطر عليها خلت تماما من عصابات تهريب المهاجرين غير الشرعيين عبر قوارب الموت، علاوة على خلوها من عناصر التنظيمات الإرهابية، فيما تنشط عصابات الهجرة غير الشرعية في مدن الغرب الليبى التى تسيطر عليها عصابة السراج بخلاف انتشار كافة التنظيمات الإرهابية وفى مقدمتها داعش الذى يرفع أعلامه السوداء في مدينة صبراطة على نحو ما أوضح وزير الخارجية المصرى سامح شكرى في مجلس الأمن.
هذا الجهد الدبلوماسى يدعمه تطور الموقف التونسى والجزائرى حيال ما تسمى حكومة فائز السراج والذى عبر عنه الرئيس التونسى قيس سعيد بقوله أن حكومة الوفاق الوطنى في طرابلس مؤقتة ولابد من تغييرها، وكذلك الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون الذى ذهب أبعد من ذلك بقوله أن الزمن قد تجاوز حكومة السراج.
لا بد من دبلوماسية عربية تنشط تجاه إقناع الأطراف الدولية بضرورة تشكيل مجلس رئاسى جديد عبر انتخابات نزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة وفق إعلان القاهرة وتكون مهمته رسم خارطة طريق جديدة لمستقبل ليبيا السياسى على أن يكون الجيش الوطنى الليبى هو المؤسسة العسكرية المنوط بها العمل على تفكيك الميليشيات ونزع أسلحتها وملاحقة العناصر الإرهابية.
وبالعودة إلى دبلوماسية الأشباح الطائرة حاول أردوغان حفظ ماء وجهه بالرد بما أسماه مراقبين ومحللين بدبلوماسية البوارج الحربية ليعلن استعداد جنود الاحتلال التركى لعمل مناورة بحرية في ثلاث مناطق قبالة سواحل ليبيا استعدادا لحرب محتملة رغم يقينه بأن أحدًا لن يسمح له بإشعال فتيل هذه الحرب علاوة على عدم امتلاكه القدرة العسكرية الكافية لخوض هذه المغامرة.
روسيا بتشابك علاقتها مصالحها مع تركيا تحاول على ما يبدو ايجاد مخرج لأردوغان يحفظ ماء وجهه، فقد أعلنت موسكو أنها تعمل مع أنقرة لإقناع ما تسمى بحكومة الوفاق بالموافقة على إعلان هدنة دائمة؛ وما يؤشر إلى أن هذه الخطوة تأتى لمساعدة أردوغان على الخروج من مأزقه والاحتفاظ بماء وجهه إشارتها إلى أن تركيا ستعمل على إقناع فائز السراج ومن معه بالموافقة على الهدنة رغم أن الكل يعلم أن قرار حكومة الوفاق غير الشرعية بيد أردوغان، وفى ذات الوقت أكدت موسكو على تبنيها إعلان القاهرة المتوافق مع مخرجات برلين والقرارات الأممية لحل الأزمة الليبية، وهو ذات الإعلان الذى أعلنت أنقرة رسميًا رفضه بل أن وزير دفاعها خلوصى أكار وبينما كان يعلن بقاء جيشه في ليبيا للأبد سخر من إعلان القاهرة وقال أن مصر تحاول صنع واقع جديد من خلال مبادرتها وهو أمر مستحيل لأنها غير قادرة عليه.
البيان الروسى بشأن الهدنة والتمسك بإعلان القاهرة لم يقابل برفض تركى أو حتى تحفظ على تبنى موسكو للمبادرة المصرية.
يشار في هذا السياق إلى أن المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى الليبى الذى قالت روسيا أنه مستعد لتوقيع اتفاق الهدنة ووقف دائم لإطلاق النار قد استبق الإعلان الروسى بتأكيده أن الجيش الليبى لن يتنازل عن شرط انسحاب مرتزقة وضباط المحتل التركى وتفكيك المليشيات لبدء أى هدنة وأنه لن يسمح باستغلال أى اتفاق لوقف إطلاق النار لجلب المزيد من المرتزقة والأسلحة للحكومة غير الشرعية في طرابلس؛ وهو ما يؤشر أيضًا إلى أن موسكو قد نسقت مع المشير حفتر قبل إعلانها عن مساعيها المشتركة مع تركيا للعمل من أجل إعلان الهدنة.
التفاعلات الدولية التى أعقبت قيام الطائرات المجهولة بتدمير منظومة الدفاع التركية الجوية في قاعدة الوطية تشير إلى أن أردوغان لن يقدم على تجاوز الخط الأحمر رغم كل الحشود التى دفع بها إلى المناطق المتاخمة لشرق مصراته وأن مناوراته العسكرية المزعمة قبالة السواحل الليبية لن تكون سوى محاولة يائسة للاحتفاظ ببعض المكاسب والتى سيكون أقصاها الاحتفاظ بماء وجهه أمام شعبه.
يبقى القول أن مواجهة الاستعمار التركى في ليبيا والعمل على إنهائه تمامًا ليمتد الخط الأحمر حتى رأس جدير في المنطقة الحدودية مع تونس ضرورة حتمية لأنه حتى في حال خسارة أردوغان في أى انتخابات قادمة فإنه لا ضمانة لأن يقوم أى نظام تركى بتغيير سياساته الاستعمارية أو الاستغناء عن أطماعه في ثروات شرق المتوسط فقد أعلن أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل وأبرز معارضى أردوغان مطلع الأسبوع تأييده لكل ما يفعله حليفه السابق وخصمه السياسى الحالى رجب طيب أردوغان في ليبيا مؤكدًا على شرعية اتفاقاته العسكرية والاقتصادية مع حكومة السراج غير الشرعية؛ كذلك صوتت غالبية أحزاب المعارضة بما فيها حزب الشعب الجمهورى الذى يقف تماما على يسار سياسات أردوغان لصالح اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا رغم عدم وجود أى حدود بحرية مشتركة بين البلدين وإن كان قد صوت في نفس الجلسة داخل البرلمان التركى ضد الاتفاقية الأمنية مع عصابة السراج من باب رفض الزج بجيش بلاده في مغامرة عسكرية غير محسوبة العواقب ما يعنى أن وأد أحلام أردوغان وأطماعه في أعماق مياة المتوسط ضرورة لإجبار تركيا على التخلى عن سياساتها العدائية تجاه منطقة الشرق الأوسط نهائيًا.