تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تبين الكثيرون منا في الفترة الأخيرة أن هناك الكثير من التفاصيل في الحياة يمكن أن تستمتع بها وحدك. بعد أن كانوا يهربون من كل الأوقات التي لا يتقاسمونها مع آخرين بالنوم أو الانغماس في نشاط اجتماعي افتراضى. وذهب المثل الشعبى الإيطالى: "من يأكل وحيدًا، يموت وحيدًا" أدراج الرياح. إذ أكل الكثيرون وحدهم كى لا يموتون وحدهم في جرأة وقوة وأمل كبير في مستقبل أفضل.
صار التباعد الذى فُرض علينا كى نتجنب الوباء ليس فقط جسديًا، بل قل تواصليًا بكل أشكال التواصل. أثبتت الإحصاءات أن استخدام مواقع التواصل الاجتماع ينخفض كلما طال عمر الأزمة، وصرح كثير من الناس بأن رغبتهم في الاتصال الهاتفى أو إرسال رسالة لآخر قلت كثيرًا. ظهرت لديهم ميول أكبر للتأمل وإسعاد أنفسهم بالأكل والموسيقى والرقص وغيرها من الأنشطة الفردية. ولم يكونوا تعيسين.
إن هذا الأمر لا يستقيم مع قول ابن خلدون في مقدمته: "الإنسان كائن اجتماعي بطبيعه". بل ربما يمكن الآن أن نقول في كثير من الإحيان أن الإنسان يفترض حياته ويعيشها. يفترض ما يمكنه أن يفعل حين يحتاج أن يفعل أحيانًا، ثم يذهب لذلك الذى افترضه. إذن قد يكون الإنسان كائنا افتراضيا بطبعه، فهو يفترض أن الآخرين جميلون حين يحتاجهم، وقد يفترض أن البعد عنهم "غنيمة" حين لا يحتاجهم، ثم يمارس ما افترض في رضا.
أعادنى ذلك لآلاف الكتب التي كتبت عن فن التعامل مع الناس، والتى انطلقت جميعها من افتراضية ابن خلدون بأن الإنسان يولد اجتماعيًأ، وأنا شخصيًا أؤيد ابن خلدون في ذلك إذ لم يثبت العكس. فلم يتعد جدل مناقشة فرضيته كونه عددا من الظواهر لم ترتبط ببعضها البعض حتى الآن، إلا أنها ظواهر تعتبر الوحدة سكنًا جديدًا بمواصفات سكانه المميزة. ربما أمضى الكاتب دايل كارنيجى "المطور الأمريكى لدروس تحسين الذات ومؤلف كتاب (دع القلق وابدأ الحياة)"الكثير من سنوات حياته يحاول أن يبث للناس فن التعامل مع الآخر في كتب عديدة. وهو صاحب كتاب (فن التعامل مع الناس)، ورغم أن الكتاب كتب في النصف الأول من القرن العشرين وتوفى مؤلفه عام ١٩٥٥م، إلا أنه لا زال كتابًا مقروءًا، ويدور حول نصائح عشر يعتبرها الكاتب أساسيات لما سماه "فن التعامل مع الناس" باعتباره فنًا قائمًا بحد ذاته، وهذه النصائح هى: "لا تتعجل في محاسبة الناس، ما هو السر الأعظم في معاملة الناس، لا تن... صح، لا تعظ، ولا تتحدث عما تريده، كن موضع إعجاب من الناس ولا تطلب مقابلا، توسل بالرفق واللين واترك الغضب والعنف، التعاون سبيل النجاح، دع الشخص الآخر يحتفظ بماء وجهه، اعرف نفسك وكن نفسك، استرخ قدر الإمكان". قرأت هذا الكتاب للمرة الأولى حين أهدانى إياه دكتور أحمد بيومى شهاب الدين الرئيس الأسبق لجامعة المنصورة التى أعمل بها، نسخة إنجليزية أنيقة كمهدى الهدية، والحق أنه كتاب مهم وجميل. وأساسى للعلاقات العامة التى أقوم بتدريس فنونها. ما يثبت أهمية هذا الكتاب أكثر أنه كان أساسًا لكثير من الكتب التى تلته في أسلوب عرض العلاقات الإنسانية كما أعتقد شخصيًا. حتى أطلق البعض على كاتبه "كاتب العلاقات الإنسانية". إلا أنك حين تغلق الكتاب تجد نفسك لم تحظَ سوى بشاى العصر الهادئ في حديقة لطيفة النسيم مع صديق. وهو ما يهبك طاقة كبيرة لأن تعيش بشكل أفضل وأن تتعامل مع الناس برغبة فة أن تتعامل معهم وذلك هو السر الكبير وراء كتب فن التعامل مع الناس.
إن الله الذى خلق الإنسان خلق الحياة بأشرها، لذا تجد فيه تناغمًا كذلك التناغم الموجود بإبداع في كل زاوية من زوايا العالم الذى يعيش فيه الإنسان. لذا يمكن أن يبهرك بأن يفعل أشياء لا تعلمها أنت، لأن خالق الإنسان يعلم كل الأشياء وأنت تعلم بعض الأشياء. لن أستغرب أبدًا لو خرجنا من الحظر بكتاب يشرح فرضية جديدة ترى أن "الإنسان كائن افتراضى بطبعه" لأنه قد يسعى لذلك أحيانًا. وسواء كان الاجتماع أو الافتراضية وحيدًا أو مع الآخر. تبقى الإرادة الإنسانية متألقة جوهرية جميلة معقود بناصيتها التغيير.