لم أتمالك نفسي ولم تطاوعني يدي وأنا أكتب مقالًا أنعي فيه أستاذي الكاتب الكبير محمد علي إبراهيم، رئيس تحرير الجمهورية الأسبق، ورئيس تحرير تنفيذي لموقع المرجع باللغة الإنجليزية، الذي رحل عن دنيانا يوم 7 يوليو.
علاقتي بالأستاذ بدأت عام 2008 حينما كنت صحفيًا بجريدة نهضة مصر، وكنا نحرر صفحة رأي لرؤساء التحرير كل خميس حول قضية معينة من القضايا السياسية أو الاجتماعية، فيما لا يزيد على 100 كلمة لكل منهم، وكان الأستاذ محمد أحد أبرز هؤلاء الكتاب الذين نستعين بآرائهم.
ودارت الأيام ليجمعني القدر مرة أخرى بالكاتب الراحل في مؤسسة البوابة عام 2019 بعد تكليفي كرئيس تحرير تنفيذي لموقع المرجع – باريس، لدراسات الإسلام الحركي؛ لتدور بيننا نقاشات يومية وشبه يومية حول طبيعة الموضوعات التي يتناولها الموقع ومدى مناسبتها للقارئ الأوروبي.
لا أخفيكم سرًا حينما أقول أنني كنت أتغذى على نصائح الأستاذ محمد، وما تعلمته منه خلال الشهور القليلة الماضية أكبر بكثير من كل ما تعلمته في مشواري الصحفي منذ عام 2008 وحتى الآن.
كنا نخطط سويًا لملفات وموضوعات صحفية فيها نوع من العمق والفكر، فالأستاذ كان على دراية كبيرة بطريقة تفكير القارئ الأوروبي، والمادة التحريرية المناسبة له، بحكم معايشته له فترة الدراسة والعمل بعد التخرج في أوروبا، إضافة إلى اطلاعه اليومي على ما تكتبه الصحف الأجنبية، حيث كان مترجمًا ماهرًا، ذو ثقافة واسعة.
كما كان يتميز بمعرفة عميقة للسياسة العامة للدولة داخليًا وخارجيًا بحكم قربه من الرئيس الأسبق حسني مبارك، فترة توليه رئاسة تحرير الجمهورية، والتي أتاحت له مرافقة الرئيس ومعرفة طبيعة علاقات مصر الخارجية بعدد من الدول، مما استفدت منه على المستوى الشخصي في تناول ملفات عديدة بشكل احترافي في موقع المرجع.
كان الأستاذ خصمًا شريفًا لا يخشى من الإعلان عن مبادئه ولو كانت ضد التيار، ولم يخطئ في حق معارضيه ومنتقديه، بل لم يحظرهم من التعليق على صفحته الشخصية، وكان يرد عليهم بكل أدب وتواضع، يجبرهم في النهاية على احترامه مع استمرار الخلاف في الرأي.
لم يستسلم "إبراهيم" للجلوس في البيت بعد بلوغ سن المعاش، كعادة الكثير من أٌقرانه، وإنما دفعه شغف المهنة وحبه لها للتمسك بها لآخر يوم في حياته، لأنها سكنت وجدانه وتمكنت منه، وصارت جزءًا من كيان كبير اسمه محمد علي إبراهيم.
آخر اتصال بيني وبين الأستاذ كان يوم 22 يونيو قال لي إنه "هيغيب شوية"، وكأنه يودعني.. سبقتنا إلى الله يا أستاذ، والملتقى الجنة بإذن الله.