الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأنبا بطرس فهيم يكتب: عيد الرسل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عيد الرسل هو أحد الأعياد المهمة في الكنيسة المسيحية، فهو يأتي عادة بعد أعياد القيامة الصعود والعنصرة التي هي أعياد سيدية (أي مرتبطة بالسيد الرب نفسه، بالله، فعيد القيامة والصعود يختصان بالرب يسوع، وعيد العنصرة يختص بالروح القدس).
فبعد أن عاش السيد المسيح على الأرض وبشر البشرية بالحياة والخلاص، وأتم سر الفداء العظيم، وصعد إلى السماء، أرسل الروح القدس على الكنيسة، لكي يثبتها في الإيمان، ويعلن لها الحق كله فيما يخص إيمانها بسر المسيح. ويقودها على طريق الرسالة المسيحية، لتواصل كرازة المسيح وإعلان البشارة للخلق أجمعين.
كان أول القيادات في الكنيسة هم الرسل الأطهار الذين اختارهم السيد المسيح بنفسه. ورافقوه طيلة أكثر من ثلاث سنين، هي فترة كرازته على الأرض بملكوت الله. وهم شهود لكل ما قال يسوع وعلم وعمل. وهم الشهود على حياته وموته وقيامته وصعوده إلى السماء. وهم الذين ظلوا منتظرين، في أورشليم، بعد صعود الرب يسوع، بحسب وعده لهم، إلى أن ينالوا قوة من العلاء، هذه القوة هي الروح القدس. الذي حل عليهم في العنصرة ليمنحهم النور والحكمة، والشجاعة ليحملوا بشارة الإنجيل إلى العالم كله. وفعلا انطلق الرسل بعد حلول الروح القدس عليهم حاملين النور والحكمة، ورسالة الفداء والخلاص ليتلمذوا جميع الأمم لقيم المسيح ومبادئ الإنجيل، غير هيابين بما لاقوه من تحديات وآلام واضطهادات، من اليهود ومن الرومان. وقدموا في سبيل الشهادة للإنجيل كل غال ونفيس، حتى حياتهم ودمائهم وأرواحهم. فصاروا منارات للإيمان والمحبة، وقدوة للمؤمنين على مر العصور. ولذلك تعيد لهم الكنيسة يوم 29 يونيو من كل عام بحسب التقويم المصحح (الغريغوري)، و12 يوليو من كل عام بحسب التقويم غير المصحح (اليولياني).
وتسبق هذا العيد، مثل كل الأعياد، فترة من الاستعداد بالصوم، تمتد من ثاني يوم بعد عيد العنصرة، في الكنيسة الأرثوذكسية، وحتى 12 يوليو حيث تحتفل الكنيسة بالعيد، عيد الرسل. وفي الكنيسة الكاثوليكية تم اختصار فترة الصيام السابقة لعيد الرسل إلى أسبوع واحد يسبق العيد.
في الحقيقة فإن في عيد الرسل يحتفل المسيحيون أساسا بعيد الرسولين بطرس وبولس. وهما النموذج والمثال لكل رسول، لأنهما هامتا الرسل، كما تقول صلاة القسمة الخاصة بهذا العيد في القداس الإلهي. وذلك لان القديس بطرس، وهو يهودي الأصل، قد اختاره السيد المسيح وأعده، وجعله في رفقته من بداية رسالته، ليكون رئيسا للرسل، ورأسا للكنيسة من بعد صعود الرب يسوع للسماء. والكتاب المقدس يشهد بهذه الحقيقة بقوة، وفي مواضع عديدة من الأناجيل وسفر أعمال الرسل.
والقديس بولس، لم يكن من الرسل حواريي المسيح الاثنى عشر، بل كان فريسيا مضطهدا للكنيسة في بداية حياته، والتقى بالمسيح القائم من الموت، حين ظهر له على طريق دمشق، وهو ذاهب في مهمة لمحاربة الكنيسة هناك والقضاء عليها، وحوله لرسول له لا يكل ولا يمل في خدمة الإنجيل والمسيح. وقد طاف العالم كله يحمل هذه البشرى السارة، التي غيرت حياته هو أولا، وفتحت قلبه وآفاقه على محبة الله المجانية لجميع البشر، مما دعاه لتحول كياني عميق غير كل توجهات حياته وإيمانه وقناعاته. وصار المبشر الأعظم في تاريخ الكنيسة كلها. وقد استشهد كلاهما في سبيل إيمانهما بالمسيح، ونالا هكذا شرف الشهادة في سبيل المسيح، الذي وهب لهم حياته طوعا وحبا، فما كان عليهما إلا أن يبادلاه حبا بحب، وتضحية بتضحية، وسخاء بسخاء.
هكذا يكون عيد الرسل، هو اليوم والعيد، الذي فيه تتذكر الكنيسة أمجاد مخلصها، ورجالها القديسين الذين أحبوا المسيح والكنيسة. وقدموا في سبيلها كل غال وثمين، لكي يرتفع ويتمجد اسم الله بين الأمم. وينتشر نور وحكمة وعبير الإنجيل بين الشعوب، فيتحول كل مسيحي بدوره إلى رسول، على مثال الرسل، يحمل في قلبه وعقله وحياته كلها زخم الروح، ونور الحق، وجمال المحبة، وبهاء الرحمة، وعبق السلام، وأفراح الحياة والخلاص. ليساهم كل مسيحي، مع الناس ذوي الإرادة الصالحة في كل العالم، في بناء عالم الإخاء والسلام، وحضارة المحبة، وواقع الفرح لكل الناس.
نصلي، في هذا العيد المبارك، أن يمنح الله للعالم كله، ولمصرنا الحبيبة، ولكل الناس في كل مكان، في هذه الأيام الصعبة، أيام وباء فيروس كورونا، الشفاء والعافية. ويعطي الراحة والسلام الأبدي للمنتقلين، والعزاء والصبر والسلوان لذويهم. ويمنح الحكمة والرشاد لكل القيادات في كل المجالات. والشجاعة والسخاء لكل الكوادر الطبية التي جندت كل طاقاتها لمواجهة هذه الأزمة الخانقة. ونصلي من أجل الطلبة، في أيام امتحاناتهم هذه، لكي يمنحهم الله النور والحكمة ليجنوا ثمرة أتعابهم، وأتعاب أسرهم وأهاليهم طوال العام. وأن يمنح السلام والمصالحة والوئام للبلاد المتحاربة في ليبيا واليمن وسوريا وكل بلاد العالم. وأن يمنح النور، والقلب المنفتح، والعقل الواعي بأهمية الأخوة الإنسانية، والمسئولية الضميرية المشتركة، في تقاسم خيرات الأرض والمياه بين بلدان المنبع والمصب لنهر النيل العظيم. وأن يقي مصر، بصلوات الرسل الأطهار، وكل رسول للمحبة والسلام والخير، من كل شر، ومن كل جور، ومن كل ضرر، وأن يمنحها الخير والرفاه، والسلام والأمان... آمين.
وكل عام وحضراتكم جميعا بكل خير.