لم يكن نجاح محمد مرسي في انتخابات الرئاسة المصرية معيارًا لقوة جماعة الإخوان المسلمين على قدر ما كان معيارا لتزييف إرادة الناخبين عبر سنوات طويلة من الانغماس داخل الظهير المجتمعي من خلال الجمعيات الخيرية المشبوهة التي طالما قدمت الرشاوي الانتخابية كفرا بالوطن!
جاء محمد مرسى إلى سدة الحكم، ولم يكن على قدر من المسئولية التاريخية أن يقود دولة قوية بحجم مصر صاحبة التاريخ العريق الضارب في الأرض بجذوره عبر آلاف السنين.
لم تكن الدولة المصرية إبان حكم الجماعة تدار من داخل قصور الرئاسة المصرية بل كانت تدار من مكتب إرشاد الجماعة!
عاشت مصر في تلك الحقبة التاريخية كثيرا من التقلبات السياسية والمزاجية التي لم تكن غير مؤشر خطأ أننا نسير قدما نحو المجهول.
ورغم كل الإنذارات لمكتب الإرشاد ولرئيس الجماعة إلا أن التمادي كان هو سيد الموقف بتحدي كل القوانين والأعراف القيمية والأخلاقية بتصدر قتلة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات منصة احتفالات الجماعة ودخولهم قصر الرئاسة متقدمين الصفوف، وكأنها كانت رسالة ترسلها الجماعة لكل من يحاول الخروج عليها وعلى سياستها العدوانية!
ناهيك عن التلاعب بأمن مصر القومي باستقطاب الميليشيات الإرهابية وتصديرها من القاعدة وأخواتها إلى مصر تمركزا في سيناء لكون استطلاع الجماعة كان يعلم يقينا أن المعركة مع مصر في غاية الصعوبة، وأن عرشهم الزائف مهدد بالزوال رغم التصريحات العنترية لبعض أعضائها أن حكمهم لمصر سيمتد إلى خمسمائة سنة من الزمان!
عملت الجماعة على زرع الوقيعة بين كل أطياف المجتمع، كما سعت نحو أخونة مفاصل الدولة وإقصاء الجانب الآخر من مثقفي الوطن وقواه الناعمة!
فاستخدمت سياسة القمع والتنكيل لكل من يخرج على أوامرها، هذا إلى جانب العمل على خطف جنودنا البواسل هناك في سيناء وفي مشهد درامي مثير للدهشة والغرابة يخرج رئيس الجماعة مطالبا عبر خطابه المتلفز بالحرص على سلامة الخاطفين والمخطوفين!
في واقعة تعد هي الأولى في تاريخ الدول والشعوب وإلى الآن لم نجد لهذه التصريحات محلا من الإعراب!
لم تفتح الجماعة آذانها لصوت العقل والمنطق بل صمت مسامعها عن كل الخيارات المطروحة للإصلاح السياسي بكل أشكاله وصوره.
وفي ظل هذا المعترك الكبير كان حراس المعبد من نسور قواتنا المسلحة العريقة يديرون المشهد بكل حرفية إنقاذا للوطن من السقوط في براثن التقسيم إلى الأبد.
لم تكن المعركة من خلف الكواليس شيئا هينا بل كانت صراعا بين الحق والباطل؛ بين البقاء والفناء ويمكننا القول إنها كانت معركة حامية الوطيس، ولولا عناية الله لكنا جميعا في مهب الريح.
كان رجال المخابرات يسارعون الأحداث تلو الأخرى ويواجهون تقلباتها ويسابقون الزمن وفق متغيرات إقليمية ودولية كبيرة كادت تودى ليس بالوطن فحسب بل بالمنطقة بأسرها في أتون حرب مشتعلة كادت تأكل الأخضر واليابس.
حقيقة لم نجن من ثورات ربيعنا العربي المزعوم غير الخيبة والرجعية القيمية والأخلاقية بكل معانيها انقلابا على ثوابتنا التي نشأنا وتربينا عليها.
فحين تجد من يعيش بين جنبات هذا الوطن ويتعاطف ولو بعض الشيء مع أعداء الداخل والخارج تدور بداخلك عشرات من الأسئلة عساك تجد لها جوابا......؟
وإزاء هذا المد المتطرف كان لا بد من استنفار ولاية أصحاب الفكر والرأي لتصحيح المفاهيم المغلوطة نحو انقاذ لشبابنا من عمليات غسيل المخ عبر قنوات الجماعة الرادحة بالضلال ليل نهار، ومن الوقوع في فخ التكفير عبر مصايد صفحات التواصل الاجتماعي على الشبكات العنكبوتية.
لا سيما أنه لم ينته الأمر بزوال عرش الجماعة من مصر بل ما زالت مصر تواجه داخليا وخارجيا تحديات كبيرة عبر مراوغة الأعداء وتغيير خطة اللعبة يوما بعد آخر، وما زلنا نحرز تقدما وتفوقا كبيرين في حلبة الصراع الدولي والإقليمي في حرب سيكون فيها البقاء للأقوى بكل أنواع الجاهزية القتالية العالية والفكرية المؤثرة...
لا بد من موجة تنوير جديدة ركائزها صناعة الوعى المعرفى ويقظة العقل والاحتكام لمنهج العلم وإسناد الأمر إلى المؤهلين من كل التوجهات من حملة الأفكار والمبدعين من العلماء والمفكرين والكيانات المؤسسية القادرة على التحرر والتجديد الفكري والمعرفي.
وختامًا ما أجمل هذه المساجلة التاريخية بين التلميذ ومعلمه...
المعلم: أين تقع مصر؟
التلميذ: مصر لا تقع!
المعلم: أنت لا تعرف الجغرافيا
التلميذ: أنت لا تعرف التاريخ!