الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عدسة مؤقتة للوقت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ بدأت الجائحة وأُعلِن عن الحجر المنزلي، وأنا أفكر أن أكتب لأعترف لك (لكِ) عن سبب سوء التفاهم الذي شاب علاقتنا، ربما تخونني شجاعتي ولا أعاتب أبدا، لكن كل ما أستطيع القيام به الآن وأنا في ذروة ضعفي من جراء هذه "الحبسة الإجبارية" أن أفسر بعض الأمور التي تكون قد التبست عليك (عليكِ) ** .
هذه مقدمة الرسائل التي انتويت كتابتها حين شاهدت فيلما أجنبيا لا أتذكر اسمه، عن طالبة بالماجيستير نشأت بينها وبين أستاذها بالجامعة علاقة عاطفية مميزة، ثم تفاجأت بخبر موته، وبعد وفاته بعدة أيام بدأت تستلم رسائل منه على الإيميل، يعتذر لها عن مواقف حدثت بينهما ولم يشرح لها دوافعه حينها ، أو يرسل لها تهنئة بمناسبات كان سيتواجد فيها معها، عن طريق محامي لم تكن تعرف عنه شيئا، وكله بالقيام بهذا الأمر بعد وفاته .
وقد أوحى لي الفيلم بكتابة رسائل مماثلة الى أشخاص ابتعدت عنهم ولم تسنح لي الفرصة لشرح أسباب الفراق، أو أشخاص آخرين نالني منهم الأذى وانسحبت دون أن أسترد حقي منهم ولو بكلمة اعتذار، أو أولئك الذين مروا بحياتي يمدون لي أيادي الدعم ولم أوفيهم حقهم من الشكر والامتنان، وبالطبع لن أرسلها إلا إذا وصلت الأمور لذروتها واستحالت عودة الحياة الى طبيعتها، فأنا أهرب من العتاب المباشر، وربما تكون الرسائل فرصة منحها لنا الحجر لتصفية النفوس أو الاعتذار عن أخطاء غير مقصودة، فتظل ذكرانا أو ذكراهم في القلوب لا تشوبها شائبة.
فأنا أظن أن "ليالي الحجر في زمن كورونا" ستكون فترة ثرية لن تبرح أذهاننا وسيكتب عنها التاريخ قصصا وروايات، فكل أفلام الخيال العلمي التي شاهدناها سلفا، لم تكن سوى سيناريوهات ذات حبكة محكمة، ينفذونها الآن بالتفاصيل ذاتها، والجدير بالاهتمام أن دول العالم الأكثر تقدما والأكثر اتباعا للنظام الصحي والنظافة هي الأكثر انتشارا للعدوى وتسجيل عدد هائل من الوفيات يوميا والتي تعدت توقعاتنا.
يقولون أن منظمة الصحة العالمية قد تواطأت مع الصين في إخفاء عدد الاصابات وعدم الإعلان عنها في وقتها، وأن أمريكا هي من اخترعت الفيروس ونشرته في الصين عن عمد، أقاويل وتكهنات وأسرار سنكتشفها بعد انتهاء الجائحة وربما لا نعرفها أبدا وربما تكون سببا في حرب عالمية ثالثة .
ورغم فك الحظر فإنني مازلت أفرض على نفسي عزلة اجبارية، والتي جعلتني محاصرة في بضع مترات لا تتجاوز حيز البيت، صار التنقل من حجرة الى أخرى الى الريسبشن نزهة محببة، حتى الخروج الى الشرفة مع كوب النسكافيه والتأمل في الخضرة الزاهية أمام بيتي من أجمل ما تراه عيني، والانصات الى زقزقة العصافير وقت العصاري سيمفونيتي المفضلة،
والأزهار الجميلة التي لم أنتبه لأسمائها واختلاف ألوانها البديعة ولم أمعن النظر اليها بدهشة حقيقية، هي عالمي القديم الذي اشتقت لملمسه وعطره، حتى عناق الأحبة وقبلات الود وتلامس الأيدي في المصافحة افتقدته، لقاء المودة وأحاديث الشغف والحركة والركض في الحدائق تحت ضياء الشمس وفي حضرة بهاء القمر لم يعد متاحا، ملمس رمال الشاطئ وأحضان البحر وضجيج الأمواج، السفر وركوب السحاب والوصول الى عتبات السماء الأولى، كل التفاصيل الصغيرة التي كانت تمر خلال يومي مر الكرام، افتقدتها وأصبح اليوم لها مذاقا مختلفا .
صحيح أنني أضطر لقضاء بعض المشاوير المهمة، لكن مزاجي يعتل من كثرة اتخاذ الأساليب الوقائية عند الخروج والعودة الى المنزل، من ارتداء الكمامة ورش الكحول على كل شئ تقريبا وغسل الملابس وخلافه حتى زهدت الخروج إلا للضرورة القصوى وأصبحت كل احتياجاتي عن طريق الدليفري رغم أنه لا يسلم من التطهير أيضا .
دعونا نعتقد أن كورونا فرصة ثانية أعطاها لنا القدر، فلنأخذها على محمل أنها لحظة فارقة نعيد فيها حساباتنا مع أنفسنا ومع الآخرين، فترة هدنة من المشاحنات والأفكار السلبية، وقت للتأمل في التصرفات التي اتخذناها باندفاع وتهور، دعونا نرتدي عدسة الوقت، لتمنحنا صفحات بيضاء نخط عليها ميلادنا القادم، ولنبدأ التعارف من جديد، أنا زيزيت سالم، وأنتم؟