الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تجربتي مع كورونا بين قبعة الطبيبة والمصابة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تستكين قصص البشر وروايات الألم بين الموت والحياة، بين جوارح الأيام وفى ثنايا الأوقات الجميلة والحزينة التي نمر بها، لا أحد يستطيع أن يغير في المقدرات الإلهية، ولكن تظل النفس البشرية تشتهى الأمان طوال الوقت، فمنذ بداية الجائحة وأنا أتابع عن كثب كل الأخبار الطبية والاقتصادية والتداعيات إثر تلك الجائحة وأتبع الإجراءات الوقائية، ولكن لم أكن أدرى أن هذا الفيروس سيتسلل بين ليلة وضحاها بداخلي خاصة أنى لست من الأطباء الشرفاء الذين يحاربونه على الخطوط الأولى.
دائما البداية ما تكون هي الأصعب، ربما هي تلك حالة الإنكار التي نواجهها، محاولين تبرير الأعراض على غرار أي شيء آخر، ولكن في لحظة الحقيقة، تتبخر تلك الحالة ويصبح الأمر جليّا، مرعبًا بالطبع فهناك ضحايا وموتى ممن حولك! هذا الخوف – في رأيي – قدر ما هو طبيعي قدر ما هو أخطر من الإصابة ذاتها لأنه لا يفقدك حاسة الشم والتذوق كما شعرت ولا يصيب جسدك بالحمى، بل يجعل الأفكار بداخل عقلك تعصف وكأن تفكيرك قد شُل وتعطل عن العمل بشكل كامل ويتحول النور إلى ظلام ويصبح كل شيء محيط بك في غاية السلبية والسوء وكأنك فى نفق مظلم ليس له مخرج على الإطلاق.
وهنا تخلع قبعة الطبيب الذي اعتاد طوال حياته مساعدة الناس وتبدأ التفكير في أسوأ الاحتمالات، ولكن كل تلك المراحل هي مراحل نفسية طبيعية، لا بد أننا جميعا يدرك أنها طبيعية، فبحدوث الإصابة يصبح ذلك الفيروس حديث الساعة، تجربة جديدة مخيفة في بداية الأمر تعرقل الأفكار والتحليلات المنطقية.
وهنا يتوقف الزمن للحظات أو لدقائق وهى لحظات القرار، إما أن تترك نفسك لبراثن الخوف الذي قد يتملكك وهو ظاهرة طبيعية من شيء مجهول، أو أن تهدأ تماما وتعيد ترتيب تفكيرك مستندًا على إيمانك الديني أو معتقدك، أو على إيمانك بالحياة من أجل من تحب، أو من أجل رغبة الانتصار على هذا اللعين.
ولأنني بشر قبل أن أكون طبيبة، مررت بتلك المرحلة الأولى، الخوف والهلع، أبحث عن من حولي، الذين تساقطوا ربما خوفًا وذعرا أيضًا، ولكن كانت لحظة القرار هي أول مولود حقيقي من رحم الإرادة، قررت حينئذ عدة قرارات بل وضعت خطة بسيطة للمواجهة، حددت خصمي ووضعت الأولويات وهم بالطبع أفراد أسرتى وحالتي الصحية ولملمت كل قوتي لوضع خطة زمنية لمواجهة ذلك الفيروس بعد أن رتبت أفكاري ونمقتها ونسقت التوقيت جيدًا ووثقت كل دقيقة في الأزمة ولعل ذلك كان من أهم الأشياء، فتوثيق أحداث الأزمة يساعدك في ترتيب أفكارك، ففي وسط العاصفة حتما ستنسى كل التفاصيل، وفى أجندتي الصغيرة التي يعتلى غلافها علم مصر الذي حدقت النظر به كثيرا واستندت على عصا حبي لوطني ورغبتي في الحياة لأجله، بدأت أؤرخ تاريخ بداية الإصابة وموعد الفحوصات والأدوية الأزمة والمستلزمات المطلوبة بشكل منظم وباستشارة زملائي المتخصصين.
ولأن الحياة تخشى كل من يتخذ من الإرادة درعًا لها، بدأت بالتحسن بالفعل، مما زاد من تحسن الحالة النفسية والتي ساعدت الحالة الجسدية على التحسن في وقت وجيز.
وهنا بدأت نقطة تحول أخرى، فبعد العزلة بدأت أتابع صفحات السوشيال ميديا وبدأت الأزمة تخلق بداخلي أبعادًا جديدة، فوجدتني ارتدى قبعة الطبيب مرة أخرى، وجدت سعادتي في مساعدة الآخرين عن بُعد، بالاستشارات الطبية والمعلومات المؤكدة وابتعدت عن نشر أي معلومات غير مؤكدة، وجدت أن حالتي تتحسن كلما حولت من طاقتي السلبية إلى إيجابية بمساعدة الآخرين، اكتشفت بُعدا آخر وهو أنى أصبحت أقرب لميدان المعركة، لتحليل سلوك ذلك الفيروس عن قرب مما ساعدني في تجميع كثير من المعلومات الطبية عنه التي كان من المستحيل أن أعرفها وأنا على الشاطئ، مثل أن المضاعفات الحقيقية تحدث نتاج معركة ذلك الفيروس مع جهاز المناعة الذي إذا استفز أكثر من اللازم يتسبب في إضرار أعظم من ذلك الفيروس الضعيف.
فالمناعة القوية التي لا بد من اليوم أن نستثمر فيها هي التي تقضى عليه سريعًا، أما المناعة الضعيفة تطيل وقت المعركة ومن هنا تحدث الوفيات أو المضاعفات الكثيرة ولكل مرحلة علاج، ولكل حالة يجب أن يُطوع البروتوكول العلاجي، فمريض السكر يختلف عن مريض فيروس سى المتعافي، يختلف عن المريض الذي يعانى من أمراض السيولة وهكذا، فتصنيف الحالات على حسب درجة الإصابة هو سر تقليل عدد الوفيات.
وعندما انشغلت في مساعدة من حولي وأدركت أن تكاتفنا هو سر من أسرار الانتصار وانشغلت بفلسفة ذلك المرض والقراءة والبحث عنه، وجدت نفسي في مرحلة التعافي التام حتى سمُح لي بالخروج من العزل والعودة إلى الحياة مرة أخرى.
أحبوا الحياة لما فيها من وطن غالٍ، لما فيها ممن نحب، لما فيها من أمل جديد، لما فيها من مولود جديد من أشعة الشمس يلامس وجه الأرض في الشروق، فهي حقًا تستحق! لا رحلة دون معاناة ولا رواية دون أحزان، فبالعقل والتفكير والإرادة تصبح النهاية هي التي من صنعك أنت!