السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المرأة وعدالة الفرصة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قضية تمكين المرأة تشغلني بشدة ربما لكوني إمرأة تؤمن بكفاءة النساء وتطمح للكف عن السعي إلى تغيير المرأة حتى تتواءم مع المجتمع الذي هو من يحتاج إلى التغيير، وتطمح أيضا إلى البدء بتغيير النظم التي تحول دون بلوغ النساء لكافة الفرص التي تستحقها. وثانيا لكون تمكين المرأة من شأنه أن يدفع عملية التنمية الشاملة في المجتمع ككل. لكن طرح هذه القضية لا بد أن يتم تناوله من منظور أشمل وهو منظور العدالة الاجتماعية والمقصود بها عدالة الفرصة أي عدالة الفرصة في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل. والأهم مما سبق أن المصلحة الوطنية تقتضي مشاركة حقيقة للنساء والرجال معا وأن يشعر كل أبناء الوطن وبناته أن هناك مناخا عادلا منصفا لهم جميعا، وهذا ما ينمي الشعور بالمواطنة.
ورغم أن مصر قطعت أشواطا في مجال تمكين المرأة إلا أنها ما زالت تحتل مركزا متدنيا فيما يخص الفجوة بين الجنسين عالميا حيث احتلت المرتبة 135 العام الماضي حسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي. وتُقاس الفجوة بين الجنسين عبر أربع ركائز أساسية وهي: الفرص الاقتصادية، التمكين السياسى، التحصيل العلمي، الصحة والبقاء على قيد الحياة.
رغم كون الحكومة نجحت في زيادة تمثيل المرأة في مجلس الوزراء حيث أصبح عدد الوزيرات 10 في آخر تعديل وزاري بنسبة تتجاوز 28% وبلغ تمثيل المرأة في البرلمان 15% بينما هناك 66 قاضية فقط من إجمالي عدد القضاة 9694، فيما تمثل نسبة المرأة في السلك الدبلوماسي 24.8 %.
واقتصاديا، بلغت مساهمة المرأة في القوى العاملة أقل من الربع بنسبة تصل إلى 20.9 % مقابل 79.1% للرجال وفقا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وبلغ معدل البطالة 21.4% بين الإناث مقابل 6.8 % للذكور، فيما بلغت نسبة الإناث العاملات (15 سنة فأكثر) 18.2% مقابل الذكور 81.8%.. وبلغت نسبة الإناث اللاتي يعملن عملا دائما 89.3 % مقابل 67.1% للذكور. وبرغم اقتحام عدد من القطاعات المؤثرة في الفترة الأخيرة كالقضاء والإدارة المحلية إلا أن المرأة مازالت تعاني من مشكلات في الحصول على حصة عادلة في سوق العمل حيث تعمل لساعات طويلة وفي مجالات كثيرة لكن في معظم الأحيان عملها غير رسمي لا تتوافر فيه الحماية الاجتماعية ولا تحصل فيه على راتب عادل.
ومما لاشك فيه أن المرأة المصرية قطعت شوطا جيدا في التعليم وهو ما يؤدي إلى تحسن موقعها في تقرير مؤشرات التنمية البشرية لوجود نسبة عادلة للمرأة في التعليم الابتدائي والإعدادي والجامعي كما أن البرامج المصممة من الحكومة للتمكين الاقتصادي متعددة ومن المتوقع أن تعطي نتائج إيجابية من حيث الحد من معدلات الفقر، لكن مازال هناك الكثير للقيام به خاصة في ضوء التأثيرات السلبية المتتالية لأزمة وباء كورونا والركود الاقتصادي والاستغناء عن العمالة حيث إن النساء هن الحلقة الأضعف والأكثر تضررا من هذه الأزمات وبالتالي يتضاعف التأثير السلبي لبطالة النساء عندما نأخذ بعين الاعتبار أن 18% من الأسر المصرية تعولها سيدات بحسب إحصائيات الجهاز.
وإذا كانت الحكومة قد وضعت السياسات وتنفذها بنجاح حتى الآن خاصة فيما يتعلق بالحماية والرعاية الاجتماعية إلا أن الجزء الأكبر الذي مازال يتطلب جهودا أكبر هو تنفيذ المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وهو يسير بخطى أبطأ وهذا يتطلب دورا أكبر للمجتمع المدني ومجتمع الأعمال. كما أن دور العلماء والمفكرين شبه غائب ويحتاج المجتمع بشدة لتدخلهم لنفض الأفكار التمييزية المتخلفة المضادة للمراة حيث إن الأمراض الاجتماعية لا تحتاج فقط لدساتير وقرارات حكومية وإنما علم وفكر يكون في المناهج التعليمية والسلوكيات اليومية والبرامج الإعلامية. ولعل العلوم الإنسانية كانت في مقدمة قوى التغيير التي دائما ما تقود المجتمعات إلى تغيير حقيقي حيث لا يخفى علينا ذلك الإرث الممتد على مدى قرون من الزمن من التمييز الذي أنتج فجوة واسعة بين الجنسين في السلطة والذي نلمسه في جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والمؤسسات التجارية.
وتنتشر في مجتمعنا الكثير من الأحكام الجاهزة ضد نسائه استنادا إلى مظهرهن، كما تشكل أفكار الخرافات والمحرمات التي لا حصر لها نصيبا كبيرا في الحكم على وظائف المرأة وتتَحد للأسف مع خطاب الرجل الاستعلائي أحيانا لتجعل النساء يواجهن واقعا يوميا مريرا من التحيز الجنساني.. وقد لعبت أفكار متخلفة في العقول على مدى عقود وتسترت بغطاء الدين لتجد منافذ سهلة للوصول إلى السلطة واستٌل سلاح التكفير لتخويف العلماء وسجنهم في أبراج بعيدة عن مجتمعهم وحتى لا يصلها تأثيرهم ومن تحدى وكشفهم قتلوه. وقد كتبت كثيرا أنا وغيري فيما مضى عن تلك الجماعات وكيف أن السلطة السياسية أعطتهم المجتمع هدية في مقايضة غير معلنة مقابل أن يتركوا أمر كراسي السلطة فكانوا يقدمون الخدمات الصحية في مستوصفات منتشرة بجانب المساجد والمساعدات العينية والمالية من خلال جمعيات كانوا يستخدمونها في تمويل أنشطة الإرهاب كما يقدمون الخدمات التعليمية من خلال الزوايا والمراكز التي تعطي التلاميذ والطلبة الدروس الخصوصية ودروس التقوية ومن خلالها يستقطبون الأطفال والشباب لمسح أدمغتهم وتدريبهم في معسكرات صيفية حتى أصبحوا قنابل موقوتة كعجينة طيعة سهلة الاستخدام في أيدي القيادات الإرهابية.
ولكن تلك الجماعات لم تكتف وانتشرت كما "الردة في العيش" بمعنى زحفت إلى السلطة لأنها جوهر كل ما كانت تقوم به من أنشطة وكان المشهد الشهير في انتخابات 2010 عندما خاضوا الانتخابات البرلمانية وكلنا يعرف بقية القصة. 
ولعل استحضار تلك الحقبة يذكرنا بأن المشروع التنويري يحتاج ضلعا مهما وهو الضلع العلمي وهو مازال يحبو في وقت نحتاج إلى جهوده المؤثرة.. ومثلما العلماء هم ضلع مهم في تأثيث المشروع بالرؤية العميقة والمبتكرة فإن المرأة هي جزء رئيس في مضمون المشروع. ولعل السنوات العشر السابقة كانت دليلا كافيا على أن إنجاح أي مشروع وطني لا يتم إلا بسواعد النساء مع الرجال بل وقبل الرجال أيضا.. لقد أثبتت نساء مصر كفاءة عندما تم استدعاهن وقدمن الغالي والنفيس في ظروف شديدة الصعوبة ولكن الخوف كل الخوف من العودة إلى موقعهن القديم في صفوف متأخرة بفعل ضغط تلك الأفكار المتسترة في نخالة الخبز.. لأن الأفكار المتخلفة لم تمت وهي مازالت ممتدة ومتلونة.
وأقترح في النهاية إنشاء «مجلس للتوازن بين الجنسين» يكون علماء الاجتماع والنفس والتاريخ ممثلين بقوة في عضويته وتكون مهمته اقتراح سياسات لتقليص الفجوة بين الجنسين في العمل في قطاعات الدولة كافة لتحقيق التوازن بين الجنسين في مراكز صنع القرار، وفي القضاء والسلك الدبلوماسي وقيادة الشركات والجامعات والمراكز البحثية والفنية والثقافية وجعل الهدف تعزيز مكانة الدولة في تقارير التنافسية العالمية في مجال الفجوة بين الجنسين، إضافة إلى الهدف الأكبر وهو مشاركة الأبناء والبنات في الوطن حتى يشعروا أن هناك مناخا عادلا منصفا لهم جميعا، لأن المعنى الأسمى هو الشعور بالمواطنة وبالحق في الفرص العادلة.