في مثل هذا الشهر، كنت في لقاء دراسة "الديمقراطية"، جمعنا عربا وعجما بدايتون، أوهايو(يوليو 2016)، وقد بُذلت الجهود، شروحا ونقاشا، لإثبات وجود "الديمقراطية" ومنحها صك الأمل والحياة، ففي كل قاعات اللقاء سجالات مُحتدمة بين ما يقارب المائتي مُهتم، وناشط، وباحث من كل قارات العالم، وحولها ما وضع في معرض مفتوح طوال أيام اللقاء، مطبوعات: كتبا ومجلات، وملصقات، عنوانها الديمقراطية.
وفي قلب أمريكا وعبر الحياة اليومية المُنعكسة في جرائدها، كُنت أطالع كل صباح ما رُتب بأناقة على استاند قرب طاولة إعداد الشاي والقهوة في صباحات الشروع في درس اللقاء: أمريكا تو داي، ذا وول ستريت جورنال، واشنطن بوست، ودايتون ديلي نيوز، وأُشاهد بعض قنواتهم التلفزيونية التي أظهرت لي صُراخا يعلو واحتجاجات مُنفلتة بين من يتخوفون على حياتهم من انتشار السلاح، وبين نُذر تمييز عنصري ينبعث شررهُ من جديد.وفي دايتون كما عراك الديمقراطية شدًا وجذبًا،كان طقس صيفها بين الحرارة المرتفعة والأمطار المنهمرة وصل حد سماعنا جرس الطوارئ بفندق إقامتنا يُحذر من الخروج خوف فيضان ثم طوفان البحيرات التي تقطع شوارع وأحياء المدينة، فلهم حكاية سابقة مرت بها المدينة جعلت من تحوطاتهم لازمة، ورغم ذلك كانت بعض الصباحات فرصة لي لمشاهدة الشروق مُخترقا متواليات من السحب الصافية، فيما انحاز بعض الزملاء والزميلات لانتظار الشفق حيث صادف اعتدال الطقس مع اقتراب الليل.
وكان لشرابٍ هو منقوع حبات الفراولة المثلجة رفقة قطع ليمون حامض، إنسانا قناني الماء، سُكب في حافظة زجاجية مبردة، نمرُ بها في اتجاه قاعات اللقاء، ما انعشنا من حرارة الطقس، فصرنا نتسابق على الشرب منه ونملأ كؤوسنا، بل منا من أخذ قنينة منه إلى غرفته!، وأثناء خروجنا في استراحات النقاش، كانت الطاولات تعمر بالفواكه الصيفية،وأنواع من الحلويات المحلية، بما فيها بسكويت الدايت،ما يعتمد القمح والشوفان، بصناعة محلية ذات جودة، واندهشتُ من فاكهة لذيذة لم أعهدها ببلدي،هي خليط تفاح، وبرتقال (تلقيم!)، في لون أصفر يميل إلى البرتقالي تؤكل قشرةً ولُبا.
وفي دايتون لم تكن وسائل المواصلات متاحة (الباصات، والتاكسي) فقد جرى إعلامنا بأنها مدينة صناعة السيارات، وأن الكل يملك سيارته، والحل للتجوال بها يكمنُ في الذهاب إلى مكتب الاستئجار، لنحظى بسيارة نقودُها بأنفسنا!، وإن كشفت لنا مُشاركة من تونس عن حافلة تجيء في ساعات محدودة بمحطة بعيدا عن فندق لقائنا، كنا حزمنا أمرنا باتخاذ المشي، رياضة، ووسيلة فرجة على طبيعة المدينة عقب ختام برنامج كل يوم كسرا لجلوسنا الطويل في قاعات اللقاء اليومي من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء.
وفي جولتنا ليوم الوصول تعرفنا على: مركز إعلامي هو مقر صحيفة وراديو وتليفزيون دايتون، ثم غير بعيدة عن فندقنا، جامعة دايتون الشهيرة، وانتبهنا إلى طابور لمنازل أرضية يتم بناؤها حديثا من الخشب، وكانت المناظر الاجمل تلك المساحات الخضراء المحيطة بشوارع المدينة، والجداول المزروعة بمربعات صغيرة، والأصص المنتظمة لنباتات الزينة أمام كل بيت، وقد حدثتُ رفقاء جولاتنا عن طبيعة خلابة مشابهة لدايتون، في شرقنا الليبي ممثلة بالجبل الاخضر، غير أننا لا نعتني ولا نهتم بما تعمر به بلادنا من طبيعة خلابة متنوعة.
وكان أن خصنا المنظمون للقاء في عشية اليوم الأخير لأعمالنا بحافلة تجوال حُر، وضعتنا بحي مليء بمحلات للتسوق، تفاجأتُ بالعدد المحدود من المتسوقين (وكان يوم سبت تعقبهُ عطلتهم!)، كما أن أغلب البضائع ما تشابه مؤخرا، ومما غزا أسواق العالم، عنوانه صُنع في الصين!.