لحظات حاسمة تخوضها مصر في ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبى عقب نحو 10 سنوات من المفاوضات، والحق أن ملف ليبيا ومحاولات التوغل التركى بها أمر مرتبط كثيرا بملف النيل وكذلك مرتبط بالصراع العربى الإسرائيلى فهى ملفات متداخلة شائكة لها جذور دبلوماسية وعسكرية وإستراتيجية تعود لبدايات الوجود الإسرائيلى في المنطقة.
لاشك أن إثيوبيا تمثل دولة إستراتيجية كونها تقع على تماس مع حدود الدول العربية وتمثل بعدا جيوسياسيا، كما تعتبرها إسرائيل محطة مهمة لتأمين الطريق الملاحى للشرق الأقصى وجنوب أفريقيا، وتعد إثيوبيا هى أول دولة أفريقية تخوض تعاون عسكرى واسع مع إسرائيل منذ منتصف الخمسينيات. وبنظرة لتاريخ العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية سنجد أن جولدا مائير وزيرة الخارجية الإسرائيلية زارت إثيوبيا عام 1962 والتقت بالإمبراطور هيلا سيلاسى الذى كان حريصا على العلاقات الطيبة مع الدول العربية ولم يزر إسرائيل بشكل رسمى.
كان آخر أباطرة إثيوبيا الإمبراطور هيلا سيلاسى.
(23 يوليو 1892 - 27 أغسطس 1975) حريصا على توازن العلاقات مع الدول العربية واتخذ مواقف كثيرة مؤيدة لموقف الدول العربية ضد الاحتلال الإسرائيلى.
زار هيلا سيلاسى مصر أكثر من مرة إلا أن أشهرهم مشاركة الرئيس جمال عبد الناصر في افتتاح الكاتدرائية المرقسية بالعباسية عام 1968، لكن الزيارة غير الرسمية لمصر كانت عام 1942 حينما زار كلية فيكتوريا كوليدج بالإسكندرية، حيث كان مدير المدرسة البريطانى مستر رييد على علاقة جيدة بملوك وأمراء القارة أسباب الزيارة غير معروفة، وبلا شك التقى عدد من الطلبة الإثيوبيين بالكلية، أقصى الإمبراطور عن ملكه عام 1974 إثر ثورة شيوعية قادها منغستو هيلا ميريام. واحتجز في قصره وبعد عام واحد توفى في ظروف غامضة. دفن في عام 2000 بعد 25 عاما من وفاته بعد أن عثر على جثته.
سيلاسى أحد المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية، وظلت محاولات استقطابه من إسرائيل حثيثة لكنه راوغ كثيرا، في ظل دعاية صهيونية مكثفة بمخاطر التوغل العرب الإسلامى على إثيوبيا، نجح في عقد مؤتمر أديس أبابا في شهر مايو 1962 الذى حضره ممثلون من ثلاثين دولة أفريقية. وكانت كلمته في خطاب الافتتاح مهمة للغاية إذ إنها رسمت الخطوط العريضة لسياسته "لا يمكن أن ينفض هذا المؤتمر دون تبنى ميثاق أفريق موحد، ولا يمكن أن نغادر القاعة من دون إنشاء منظمة أفريقية واحدة.. فإذا ما أخفقنا فسوف نكون قد تخلينا عن مسئولياتنا تجاه أفريقيا وشعوبها، أما إذا نجحنا فهنا وهنا فقط سوف نكون قد بررنا وجودنا".
ورغم الضغط الإسرائيلى، فإن إثيوبيا أيدت القرارات الدولية لصالح العرب عام 1971 في الأمم المتحدة، بل وقطع سيلاسى العلاقات مع إسرائيل عام 1973 قبل عزله من الحكم. في 23 نوفمبر 2010 هاجم رئيس الحكومة الإثيوبية ميليس زيناوى مصر وكال لها نفس الاتهامات بمحاولة عرقلة التنمية في بلاده بل وحذر مصر إذا ما حاولت خوض حرب ضد الإثيوبيين، وردت مصر بأنها لا ترغب في الحرب. تمر السنوات ويكال ذات الاتهام بالرغم من سياسة حل النزاعات التى تتبعها مصر!
مصر بقيادة الرئيس السيسي تدير ملفاتها بحكمة وعزم والكرة لا تزال بملعبنا والرهان معقود على قوة ضغط الدول العربية والدول الأفريقية الصديقة وأهمها الدولة الشقيقة السودان التى يتهددها خطر كبير جدا، حال انهيار السد. فقد نجحت الدعاية العربية منذ عام 1967 في كسب الدعم الأفريقي للدول العربية ضد إسرائيل، وكان دور كل من مصر وليبيا والسعودية في عرقلة الوجود الإسرائيلى.
في أفريقيا له أثر كبير امتد على مدى 20 عاما، ولعبت السعودية والإمارات ومنظمة الأوبك والمصرف العربى للتنمية الاقتصادية في أفريقيا دورا في تمويل المشروعات التنموية في إثيوبيا وتمديد الطرق بينها وبين السودان وتدريب الأيدى العاملة، وهناك مليارات الدولارات من المساعدات العربية لإثيوبيا وعدد من الدول الأفريقية الشقيقة تتم في سياق التعاون الدولى البناء من أجل التنمية المستدامة لكن جاء الإنكار والتدليس الدبلوماسى الذى رأيناه وسمعناه على الهواء مباشرة من قبل ممثل إثيوبيا في مجلس الأمن باتهام مصر بعرقلة التنمية في إثيوبيا.
والحق أنه لا توجد دولة عازمة على التنمية الحقيقة تعتمد على معاداة دول الجوار بدلا من كسب ودهم! بات من الواضح للعالم أن إثيوبيا رضيت أن يزج بها في لعبة الحرب بالوكالة ضد مصر، لكن الوضع العالمى الحالى والتخبط الدولى والأوضاع الاقتصادية والصحية الخطرة المتأججة بفيروس كورونا ستعيد لعبة الأوراق الدبلوماسية في الصالح المصرى والسودانى.