تجمعت عوامل عدة أدت إلى قيام ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣؛ فقد كشفت عملية صياغة الدستور المصرى (ديسمبر ٢٠١٢) عن تباين واضح في عديد من القضايا؛ فعلى الرغم من وجود إرث دستورى مصرى زخر بالعديد من المحطات المهمة في مسألة أسس تشكيل لجنة صياغة الدستور؛ إلا أن القوى السياسية التى حملت راية الانتقال الديمقراطى في مصر لم تستفد منه، حيث أدى تنامى الشعور بانعدام الثقة بين تلك القوى وعجزها عن الوصول إلى حالة من التوافق إلى صياغة دستور ٢٠١٢ في ظل بيئة سياسية اتسمت بالصراع والعنف.
وفيما بين منتصف فبراير ٢٠١١ وآخر ديسمبر ٢٠١٢، دخلت مصر في صراع رهيب على الدستور، وما إن اطمأن الإخوان إلى أن السلطة أصبحت بين أيديهم، بعد أن أبعد الرئيس الأسبق محمد مرسى المجلس الأعلى للقوات المسلحة من المشهد السياسى عبر الإعلان الذى أصدره في ١٢ أغسطس ٢٠١٢، حتى اعتبروا الدستور ركنًا أساسيًا في مشروع الهيمنة والتمكين الذى وجدوا أن الطريق بات مفتوحًا إليه. وعندئذ، ومنذ أوائل سبتمبر ٢٠١٢، بدأ تراجع الإخوان التدريجى بطريقة ناعمة عن تعهدهم بدستور توافقى يُنتج أزمة أخذت في التفاقم يومًا بعد يوم، على نحو دفع ممثلى القوى الديمقراطية والمستقلين الذين تطلعوا إلى دستور يليق بمصر إلى الانسحاب من الجمعية التأسيسية، ومعهم أغلبية كبيرة في اللجنة الفنية الاستشارية المحايدة.
وكان الرئيس الإخوانى محمد مرسى قد أصدر، وعلى نحو مفاجئ، إعلانًا دستوريًا في ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، وكان قد ألمح في كلمة غير رسمية، ألقاها في ١٦ نوفمبر ٢٠١٢، إلى أنه بصدد اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة المخاطر التى تهدد البلاد، ولكن أحدًا لم يكن يتوقع أن يذهب إلى المدى الذى ذهب إليه في إعلانه الدستوري، وبحجم الإعلان، جاءت المعارضة التى أثارها، سيّما في الدوائر الحزبية والمؤسسة القضائية، وقد أدى الإعلان الدستوري، والسلطات الهائلة التى يمنحها للرئيس، في حشد قطاع واسع من القوى السياسية والقضائية ضد الرئيس وإعلانه.
كما وقعت أحداث الاتحادية، وهى الأزمة حدثت بين القوى الثورية ومؤيدى محمد مرسى وأنصاره، بعد إصدار الإعلان الدستوري، فدعت المعارضة أنصارها إلى النزول بالشارع والاعتصام، وتحرك الآلاف باتجاه قصر الاتحادية الرئاسى وتظاهروا في محيطه ورددوا شعارات طالت الرئيس ومشروع الدستور، وكذلك فعل أنصار الرئيس الأسبق، فتوجهوا إلى الاتحادية وحدث اشتباك بينهم، ووقعت انتهاكات وعمليات تعذيب ممنهجة ضد الثوار المعارضين للإعلان.
ورغم اهتمام القوات المسلحة بمهنيتها ومهمتها الأساسية في الدفاع عن مصر ضد أعدائها، إلا أنها لم تنس دورها كمدرسة للوطنية المصرية من حيث الاهتمام بالشأن الداخلى الذى كان من الملحوظ أنه آخذ في التدهور في ظل حكم مرسى وجماعته، فبعد أزمة الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى وأحداث الاتحادية في ديسمبر ٢٠١٢ واحتقان الشارع والقوى السياسية، حاول الفريق السيسي آنذاك، دعوة كل القوى باسم القوات المسلحة للمصالحة الوطنية، وهو ما رفضته جماعة الإخوان. وعندما قرر مرسى معاقبة مدن القناة بفرض حظر التجوال، رفض الأهالى تطبيق الحظر، ورفض الجيش إطلاق رصاصة واحدة على أى مواطن مصري، مما زاد من اللحمة الوطنية بين الشعب والجيش.
وقد اتجه نظام مرسى إلى افتعال أزمات متتالية مع القضاء، بدءًا من إقصاء النائب العام، إلى محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل أنصاره، ثم محاولة تحجيم دورها في دستور ديسمبر ٢٠١٢، فإصدار إعلانات دستورية وقرارات تمس بالسلب القضاء والحريات العامة ومؤسسات الدولة، وبدلًا من أن يتفرغ الشعب للعمل والإنتاج، اتجه إلى التناحر والعراك، وعمل حكم مرسى وبسرعة كبيرة على ترسيخ الأخونة في مؤسسات الدولة المختلفة.
وقد استمرت الأزمات ومنها الإفراج عن سجناء من ذوى الفكر المتطرف استوطنوا سيناء وسعوا إلى تكوين إمارة إسلامية، وقامت هذه الجماعات بقتل ١٦ شهيدًا من الشرطة، وبعد أشهر تم اختطاف سبعة جنود قبل أن يفرج عنهم بفعل عمليات الجيش العسكرية.
وقد أدت كل العوامل السابقة وغيرها إلى استجابة الجيش للتظاهرات الحاشدة التى خرجت في الميادين المصرية، وتم الإعلان عن عزل محمد مرسى في ٣ يوليو ٢٠١٣، لتعلن القوات المسلحة رسميًا انحيازها التام لثورة المصريين على حكم الإخوان.
شكرًا للثورة المجيدة وقائدها العظيم اللذيًن أنقذا المصريين من حكم الأوتوقراطية الدينية التى كانت تؤسس لدولة دينية تستمر لخمسة قرون مقبلة!