لن أنسى لحظات الصدمة واليأس والانكسار التى أصابتنى وملايين المصريين بعد إعلان مرسى العياط رئيسا لمصر عام 2012.. لم أصدق أن الجماعة ذات التاريخ الأسود التى أنشأها ومولها الإنجليز فى أوائل القرن العشرين، استطاعت الاستيلاء على حكم مصر، بعد تاريخها الإجرامى فى التخريب والحرق والقتل.. ورغم أن كثيرين لم يكتشفوا وجه الإخوان الحقيقى، وكانوا يصدقون أكاذيبها مثل ما أشاعته كذبًا وزورًا بأن الشرطة هى من فتحت السجون حتى تُحدث انفلاتا أمنيا فى يناير 2011، بزعم أن ما يحدث هو تنفيذ لمقولة «يا أنا يا الفوضى» التى نسبتها للرئيس الأسبق مبارك بعد أن أخرجتها من سياقها.. ولأننى أنتمى لعائلة شرطية، يعمل أبناؤها فى الكثير من الإدارات الشرطية على مستوى الجمهورية، فكنت على علم بأن ما يحدث مؤامرة استهدفت الشرطة لإسقاط الدولة، وأن الإخوان وأعوانهم هم أهم الأدوات التى استُخدمت من أجل تنفيذ المخططات الغربية ومشاريع تقسيم وتفتيت المنطقة.. وكان يوم 30 يونيو 2012 عصيبا على ملايين المصريين، بكينا ونحن نرى مرسى العياط الهارب من السجن يؤدى اليمين الدستورية ويتسلم مهامه كرئيس لمصر!.. شعرنا بخطف مصر.. انطفأ الأمل وأصابنا الهم والخوف من المجهول.. شممنا رائحة الاحتلال، بعد أن وقعنا تحت حكم جماعة تتخذ الدين ستارا ولا تؤمن بالوطن وسيادته، كان كل همها السيطرة على مفاصل الدولة، وإحكام السيطرة على مؤسساتها وإخضاعها.. ولكن ممارساتها ورعونتها كانتا بداية الانفراج، فلم تمر أشهر قليلة حتى أصدر مرسى الإعلان الدستورى الذى يحصن قراراته ويجعله كالإله!!.. فخرجنا غير عابئين بتهديدات الإخوان، وطالبنا بإسقاط هذا النظام الخائن، وكانت القلوب تهتف قبل الألسنة، والدموع تتتساقط خوفا على مصر.. قضينا يوما كاملا فى ميدان التحرير، والتف الكثير من فنانى مصر، سواء من نجوم التمثيل والطرب والإخراج أو من الفنانين التشكيليين والعازفين وراقصى الباليه، وكنا نهتف جميعا ونحن على يقين بأن هذا اليوم هو بداية سقوط الإخوان.. ربما اعتقد البعض أن موقف الفنانين كان راجعا لمصالحهم، لأن الإخوان كجماعة دينية ستحارب الفن وأهله، رغم أن الإخوان لا تعرف سوى لغة المصالح، وليس لها علاقة بالدين، وإنما تتخذه ستارا لأهدافها، ومن اجل استقطاب المزيد من المريدين، وقد رأينا أعضاء الجماعة فى إحدى حفلاتهم الكبرى فى فترة حكمهم يستعينون بمغنية لبنانية عرفت بالملابس العارية ترقص أكثر مما تغنى!!..لذلك لم يحركنا فى واقع الأمر سوى الخوف والحزن على مصر التى كنا نراها تسرق من تحت أقدامنا.. وكانت تلك المظاهرات هى البداية الحقيقية لثورة 30 يونيو 2013.. وأعتقد أنها كانت كاشفة لوطنية الكثيرين، فقد خضع البعض بطيب خاطر للاستعمار الإخوانى، بل كانوا كما يقال «ملكيين أكثر من الملك» ولم تتغير مواقفهم إلا بعد أن أطاح بهم الإخوان، رغم ما أبدوه من ولاء وتعاون لأخونة الدولة!!.. فلم يترددوا بعد ذلك فى ارتداء ثوب الوطنية والثورية ويتزعموا المطالب التى نادينا بها منذ إعلان مرسى الدستورى!! ولكن بغض النظر عن عبدة المصالح الذين يتواجدون فى كل العصور، أراد الله تعالى أن ينقذ مصر من هذا النظام الاستعمارى الخائن، الذى أبت مؤسسات الدولة وشعبها العريق أن يخضعا له.. وكيف؟! ونحن نشعر بالخزى والعار فى كل المناسبات المحلية والدولية، ولأول مرة نسمع عن رئيس دولة يتعرض فيها جنود للاختطاف، فيطالب الأجهزة الأمنية بالحفاظ على سلامة الخاطفين والمخطوفين!!.. هؤلاء الخاطفون كانوا ممن يتم تجهيزهم لكى يصبحوا الميليشيات المسلحة التى كانت ستحل محل الجيش والشرطة!!.. ولا ننسى حين شاهدنا قتلة الرئيس السادات يجلسون فى الصفوف الأمامية بين قادة الدولة، ليشهدوا حفل أكتوبر!!.. عشنا أياما حزينة وكئيبة، حتى تبدد اليأس مع 30 يونيو 2013.. واستطاع المصريون شعبا ومؤسسات بمساندة الرئيس السيسى وجيشنا الوطنى إسقاط هذا النظام، والذى توقع البعض أن يظل جاثما على صدورنا لعشرات السنين.. ولكن كعادة مصر بتاريخها الطويل وحضارتها العريقة، تلفظ كل خائن وعميل، حتى ولو بعد حين.. وبفضل الله وصبر وصلابة هذا الشعب العظيم استطعنا استرداد مصر، وعادت قوية أبية، تصبر وتتحمل كى نعيد بناءها ومجدها من جديد، ولم يتبق سوى أن نتعلم من دروس الماضى حتى لا نلدغ من الجحر مرة أخرى!
آراء حرة
30 يونيو من اليأس للأمل!
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق