مرت حتى الآن سبع سنوات على ثورة 30 يونيو، وكأن الأحداث ما زالت حية بيننا، وكانت البلاد فى وضع يُرثى له، وعلى مشارف حالة فوضى كان يمكن ألا تنتهى، وسط محاولات لإعادة ترتيب الأولويات، لتصبح الهوية ليست للوطن، ويصبح الولاء لجماعة الإخوان، وأولا وأخيرا هو الخيار الرئيسى، وإذا بقى مكان آخر يصبح أيضا للجماعة وليس للوطن.
من هنا شعر الشعب أن وطنه يضيع، وينفرط عقده من بين أنامل مواطنيه، بينما عين الحاكم فى هذا الوقت هو تحقيق فكر الجماعة، وترسيخ مفهموم "دولة الخلافة"، وكل على طريقته، ومع زيادة شعور أفراد الشعب بالخطر، تحرك سريعا، ونزل إلى الشوارع، فى حالة غضب شديدة، مطالبًا بإعادة الموازين إلى طبيعتها، واستعادة الدولة المصرية إلى وضعها الطبيعى، وترتيب قوى الوطن.
وعلى الجانب الآخر كان، الحاكم يرى أولوياته، مع جماعته، لتحقيق حلمها فى إقامة دولة "الجماعة" ليس فى مصر فقط، بل فى مختلف دول المنطقة، ونسى أن هناك دولة لها تاريخ، وفشل وانكسر على أرضها كل الطامعين، ومن أردوا طمس هويتها، واندثر كل هؤلاء، وبقيت مصر الدولة صاحبة أهم تاريخ فى البشرية.
وظل الطمع من القابع على كرسى الرئاسة يرى فى جماعته هى المنقذ، وعندما تمت محاصرته، لم يرى فى الشعب أنه صاحب القرار وأنه الملجأ للإنقاذ، بل عكس ذلك، رأى فى جماعته هى المنقذ، ونزل يخطب فيهم من أمام القصر الجمهورى، متجاهلا حالة الزحف والغضب الشعبى، من سياساته، وأولوياته، ووضع "الجماعة" فوق الدولة، ليثبت من جديد أن الذى يريد الحكم هى الجماعة.
وتخيل أن السلطان المساند له فى تركيا سينقذه، ويُمكنه من حكم مصر، متخيلا أن زمن "الخليفة العثماني" قد عاد، ونسى أن شيئا مهمَا وهو "إرادة شعب" هى التى تحدد من يحكمه، وهى القادرة على إزاحة كل ظالم ومستبد، وفاسد، فى اللحظة المناسبة.
ومع مرور الساعات ازداد غضب الناس فى كل مكان، وتحركت الجموع إلى الميادين، لتتحول مدن وقرى مصر إلى "ميادين تحرير"، لتقوم ثورة غاضبة بعد عامين وخمسة أشهر وخمسة أيام من غضبة 25 يناير، هدفها استرداد الدولة التى تضيع أمام عينيه، من جماعة، هدفها ليس الوطن، بل تبيعته للغير، ولأهداف حلم مات مع التاريخ، ولإقامة لبنات "الخلافة"، والتى من وجهة نظرهم أنها يجب أن تبدأ من مصر.
ويبدوا أن هؤلاء لم يدركوا أن التاريخ لا يعود للخلف، والميت لا يخرج من القبر، ليحكم، ولم يتعلموا الدرس جيدًا، وأن خيانة العهد بداية النهاية، بل هى النهاية نفسها، ليأتى اليوم المعهود، ليثور الشعب، معلنًا، رفضه كل من خان وباع، أو حتى يفكر فى البيع، أو الخيانة، وجاء الرفض كليا، وعلى طول الخط.
وإدراكًا من حماية البلاد من الفوضى، أو حالة فوضى يتم التخطيط لها، كان لا بد من قوة تحمى ثورة الشعب وغضبته، فلم يكن أمامه سوى قواته المسلحة، لتحمى وطنه من الانهيار، والحفاظ على مقومات الدولة المصرية، وحماية هويتها، ورغم الإدراك أن الثمن سيكون غاليًا، وبدماء، لم يكن أمام القوات المسلحة، خيار آخر غير قبول المسئولية وتنفيذ المهمة، لحماية وطن وشعب، بل حماية شعب ووطن.
ولتبدأ معركته الطويلة التى لم تنه حتى اللحظة، ويحمل كل فرد فيمن حملوا، أو قل قدرهم أن يتحملوا المسئولية، أكفانهم على أيديهم فى كل خطوة يخطونها فى أرض المعركة، أو حتى خارجها، وحتما يدرك هؤلاء أن هذه هى مسئوليتهم، ومهتمهم، إدراكا من تاريخ طويل وممتد لمهام كلفهم الشعب بها.
والمتتبع لتاريخ مصر، يدرك أن انحياز القوات المسلحة للشعب ليس بجديد، بل تاريخ ممتد على مر السنين، وفى كل ثورات الشعب، واحتجاجاته، وأيضا مسئولية عليه، ولا يمكن أن يتخلى عنها، وثورات مصر خير شاهد على ذلك، فالانحياز للوطن والشعب، وليس إلى أى حاكم، وهو ما شهدته مصر فى كل ثوراتها.
والانحياز ينطلق من مفهوم إنقاذ البلاد من الانزلاق فى الفوضى والعنف، وإنقاذ هويتها الوطنية، ولإسقاط من يفكر فى إقامة أنظمة الأهل والعشيرة، ولاستعادة هوية الوطن، ولإفشال كل مخططات هؤلاء الذين يفكرون فى هدم أوطاننا أو تفتيت دولنا الوطنية، أو تدمير جيوشنا العربية.. والآن تقول الحقيقة "ذهب الولاء للعشيرة.. وبقى الوطن الأكبر".