حلت منذ أيام قلائل ذكرى معركة تعد من أكبر معارك الجيش المصرى ضد جيش الاحتلال العثمانى في 24 يونيو عام 1839 وهى معركة "نصيبين" أو ما تسمى بالتركية "نذيب" أو "نسيب" وفيها تقابل الجيش العثمانى بقوة وعتاد تفوق قوة وعتاد الجيش المصرى الذى تم تكوينه من أبناء الشعب المصرى البسيط في عهد محمد على بعد أن طرد المماليك وغيرهم من جيش مصر.
وفى المعركة تم تقريبا إبادة الجيش العثمانى إبادة كاملة ما بين قتيل وأسير فيما استسلم بقية قليلة منهم إلى صفوف الجيش المصرى تبعهم استسلام كامل للأسطول التركى للقوات المصرية في الإسكندرية.
و"نصيبين" أو "نذيب" هى مدينة تقع في جنوب تركيا وبسقوطها تم فتح الطريق واسعا سهلا نحو الآستانة أمام الجيش المصرى الذى استطاع أسر "الصدر الأعظم" وهو منصب كان يطلق على رئيس الوزراء في الدولة العثمانية.
وكان حجم الجيش العثمانى يبلغ 65 ألف جندى في 17 فرقة مشاة و9 فرق فرسان و166 مدفعا أما الجيش المصرى فكان يتكون من 50 ألف جندى في 14 فرقة و8 فرق فرسان و160 مدفعا.
وخسر الجيش التركى 50 ألف قتيل بالإضافة إلى 12 ألف ماتوا غرقا أثناء فرارهم عبر نهر الفرات أثناء القتال وتم أسر الباقى من جنود الاحتلال التركى فضلا عن الاستيلاء على كل أسلحة ومعدات الجيش العثمانى فيما خسر الجيش المصرى نحو 3000 جندى فقط ولا يوجد أسير واحد، في هزيمة يعتبرها المؤرخون هى الأكبر والأشد خسارة في تاريخ العسكرية التركية.
وكان قائد الجيش المصرى هو إبراهيم باشا ابن محمد على باشا والى مصر فيما كان قائد الجيش العثمانى حافظ عثمان باشا والى دمشق قبل أن يستولى عليها المصريون وتنضم فيما بعد للدولة المصرية.
وكان إبراهيم باشا يرغب في مواصلة انتصاراته ليصل إلى عرش الخليفة العثمانى الذى كان قد أصبح بلا قوة تحميه تقريبا إلا أن ابيه محمد على تردد في إجابة طلبه ورفض القضاء على عرش الخليفة مفضلا الحل السياسى محافظا على الصورة الذهنية لمنصب الخليفة لدى كثير من المسلمين الذين كانوا يرون فيه رمزا لهم.
إلا أن هذا الخليفة الخائن سرعان ما تحالف مع الغرب للقضاء على الجيش المصرى مؤلبا عليه أعداءه ومحذرا لهم من طموحاته في التوسع، ووعدهم بالتخلى عن الكثير من الولايات التى كانت تابعة له لكى يرثها الغرب مقابل الاقتصاص له من المصريين.
وكانت معركة نصيبين إيذانا بأفول نجم الدولة العثمانية التى أطلق عليها الأوروبيون فيما بعد "رجل أوروبا المريض" وكانوا يتأهبون لتسلم الميراث الاستعمارى من الاحتلال العثماني.
ونظرا لشدة حقده وحنقه على الجيش المصرى الذى أهان الخليفة في عقر داره وأسر رئيس وزرائه، بدأ الخليفة العثمانى في عقد مؤامرات ومعاهدات مع الدول الاستعمارية الغربية خاصة إنجلترا والنمسا لتقليم أظافر القوة الناشئة في الشرق وهو الجيش المصرى فتآمر معهم بعقد ما سمى معاهدة لندن التى أجبرت الجيوش المصرية على التراجع عن كثير من الأراضى التى اكتسبتها في المعارك فضلا عن تقليل أعداده من 300 ألف إلى نحو 18 ألف جندى فقط.
لا يمكن للأتراك أن ينسوا في تاريخهم هذه المعركة التى قضت تقريبا على جيش الخلافة بسرعة رهيبة دون أن تترك خسائر ذات قيمة في الجيش المصرى الذى أثبت شجاعة كبيرة في الحرب والقتال سببت رعبا في قلوب الجنود الأتراك. وهى المعركة التى وصفها خبراء عسكريون أنها "أول معركة يتم فيها الأخذ بالتكتيك الحربى الأوروبى في الشرق الأوسط".
هو التاريخ الذى يجب أن نتذكره كى يكون عبرة ماثلة في الأذهان إذا أراد الحكماء أن يعتبروا، التاريخ يعيد نفسه ويكرر حوادثه لأن من يكررونها لم يطلعوا عليها جيدا فوجب عليهم تحمل ضريبة تكرار الدرس والحدث.