السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حزب النور .. والخلطة المسمومة ..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أثبت فن الطهي وعلم الكيمياء على حد سواء أن خلط أشياء وعناصر معينة بعضها ببعض إما أن يؤدي إلى خلطة شهية أو صالحة للناس وإما أن يؤدي إلى توليد عناصر ذات سمية عالية في الخلطة الناتجة تودي بمن يتناولها موارد الهلاك، وليست خلطة الإسلام السياسي بعيدة مطلقا عن هذه الحقيقة الدامغة.

بيد أن خلط الإسلام كدين بالسياسة كعلم وفن وممارسة ، بما يعرف بالإسلام السياسي، أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها خلطة من النوع الخطير الذي ينتج عنه آثار سامة على الفرد والمجتمع والدولة والمنطقة والعالم ، ليس هذا فقط بل على الجماعات والحركات والتيارات التي قامت بدمج عنصري الدين والسياسة ، وليس أدل على ذلك من الفشل الذريع الذي صادف هذه الخلطة عندما وصلت جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم ، بما أدى إلى ثورة الشعب الذي اختارها عليها ، وليس أدل على ذلك من ارتداد البعض عن الإسلام وبزوغ ظاهرة الإلحاد في مصر باعتبار أن هذه الجماعة تتحدث باسم الله وباسم الإسلام ، فكفر البعض بالله وبالإسلام نكاية في الجماعة.

وهكذا ، فإن جماعة الإخوان المسلمين أحد الوكلاء الرئيسيين لترويج خلطة الإسلام السياسي في مصر والمنطقة العربية والعالم أثبتت عند خلطها الإسلام بالسياسة مدى سُمية هذه الخلطة ومدى فشلها؛ فلا هي أقامت دينا ، ولاهي مارست سياسة، بل قدمت نماذج غير مسبوقة من الفشل وتدني الأداء يشهد عليه القاصي والداني باستثناء الجماعة التي تمارس حالة غير مسبوقة من الإنكار لم يشهدها أي تنظيم سياسي على مدار التاريخ.

ورغم أنه من المنطقي أنه إذا جرب إنسانٌ خلطة وثبتت خطورتها وسُميتها الشديدة ، وجب عليه ألا يجربها مرة أخرى ، لأن خلط العناصر والمكونات نفسها سوف يؤدي بالقطع إلى النتائج ذاتها ، إلا أن حزب النور السلفي يريدنا أن نجرب الخلطة نفسها، ولكن بدلا من أن يضع على الخلطة عبارة "خُلطت بمعرفة جماعة الإخوان المسلمين"، فإنه يريدنا أن نجرب الخلطة مع اختلاف الطابع الموجود عليها والمكتوب عليه "خُلطت بمعرفة الدعوة السلفية" أو "خُلطت بمعرفة حزب النور السلفي" ، ولا يريد أن يفهم السلفيون أن الخلطة فاسدة من الأساس ، ويصرون على تجريبها في الشعب المصري تارة أخرى .

ويحاول حزب النور أن يقدم لنا نفسه في الآونة الأخيرة على أنه البديل (الشرعي) للإخوان، وأنه الأجدر على تبوء موقع الإخوان في البرلمان القادم وربما في المحليات والحكومة والمحافظين والوزراء ، وتكرم علينا بعدم منافسته على منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية القادمة التي لم يفتح باب الترشح لها بعد، ولا أعلم من أين أتى حزب النور بهذا اليقين بأن الشعب المصري يريد أن يجرب خلطة مسمومة سبق له أن جربها في زمن الإخوان الرديء، وكل ما هنالك من تغيير فيها أن الذي يقدمها لنا هو حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية.

إن ما يفعله حزب النور هذه الأيام سبق وأن فعله الإخوان المسلمون الذين كانوا يذوبون اعتدالا وتوافقا وديمقراطية ، وما إن اعتلوا كرسي السلطة قلبوا لنا ظهر المجن ، وظهر لنا وجه آخر لم نره من قبل ، وما أدرانا ألا يفعل حزب النور مثلما فعل حليفه السابق الإخوان المسلمون، والذي انقلب عليه أمام الناس وانضم لخارطة المستقبل ليجد له مكان الصدارة في النظام الجديد، وفي الوقت ذاته تشارك قواعده في اعتصام رابعة العدوية ، لكى يستفيد في الحالتين ؛ سواء بقى الإخوان أم ذهبوا إلى الجحيم، إن حزب النور (السلفي) الذي باع إخوانه (المسلمين) قد يبيع الشعبالمصري كله بعد وصوله إلى السلطة.

إن نجاح النظام القادم –أي نظام- سيكون مرتبطا بتحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو ، والخطأ الأكبر الذي ارتكبه ثوار يناير أنهم تركوا الميدان لكى يعتلي الإخوان المسلمون كرسي الحكم دون أن يكون لهم فضل في ثورة كانوا آخر من لحق بها وأول من نزل منها، لكى تصطدم الثورة وأهدافها بالجدار الخرسانية التي أحاطت بميدان التحرير في عهدهم البائس ، والخطأ الأكثر فداحة أن يترك ثوار يونيو الميدان للسلفيين لكي يصلوا إلى الحكم وهم لم يشاركوا أصلا لا في ثورة يناير ولا ثورة يونيو ، ويجب أن يدركوا أن السلفيين يسيرون على درب الإخوان في الانتهازية السياسية.

إن السلفيين يحاولون أن يقدموا لنا أنفسهم من جديد ، ولكن بالخلطة المسمومة نفسها التي قدمها الإخوان ، وكأن المصريين قد أصابهم فقدان الذاكرة ، ولم يخبروا مواقف السلفيين من ثورتي يناير ويونيو ، ولم يشهدوا حرق المتشددين منهم للكنائس واضطهادهم للإخوة الأقباط ، ولم يروا أداءهم السيء في مجلس الشعب المنحل ، ولم يجربوا عليهم كذب منخار البلكيمي ، ولم يروا أنهم لا يقفون احتراما للعلم المصري .. علم الدولة التي يتطلعون لحكمها ، ولم يروا من فتاوي مشايخهم العجب العجاب بداية من تحريم الخروج على الحاكم أيام مبارك ومرورا بتحريم المعايدة على المسيحيين في أعيادهم وانتهاء بفتوى مضاجعة الوداع مع الزوجة بعد وفاتها.

أيها السلفيون : استقيموا يرحمكم الله .. أيها المصريون : لا تجربوا خلطة الإسلام السياسي .. لأن الخلطة بها سم قاتل.