يأتى الحديث عن الفساد السياسى بمناسبة بدء سباق التنافس حول الوصول إلى سدة الحكم، وذلك بغض النظر عن خريطة المرشحين المحتملين، أو الأحزاب والتيارات السياسية والشعبية المساندة لكل مرشح، والتى بدأت ملامحها تتبلور بين المشير السيسى والسيد حمدين صباحى الذى نال إعجاب البعض على قدرته على اتخاذ قرار خوض غمار المنافسة غير المتكافئة بينهم وبين السيسى الذى يحظى بحب وشعبية جارفة، لم تتحقق لأى شخص من قبله سوى الرئيس جمال عبد الناصر.
وفى هذا الإطار يقول اللورد إلمكتون مقولة شهيرة مفادها: "كل سلطة مفسدة، فإن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، ومن هذا العبارة تتعدد الأسباب السياسية التى تؤدى لانتشار الفساد ومنها: ضعف الأحزاب وقيادتها، وانعدام الديمقراطية وتداول موقع القيادة فيها، وتفشى البيروقراطية والمغالاة فى المركزية، وغياب المشاركة السياسية وعدم التكامل السياسى، واختلال الأجهزة القضائية، وعدم الاستقرار السياسى، وغياب الأمن.
وتعتبر هذه الأسباب هى البيئة الحاضنة لانتشار ظاهرة الفساد السياسى، حيث تؤكد التجارب والمحاكمات والتقارير والدراسات أن فساد القمة سرعان ما ينتقل للمستويات الأدنى التى تحتمى وتتستر بقيادتها المتواطئة معها، حيث تهيمن العناصر الفاسدة على الممتلكات العامة وتتمتع بالسلطات التى تمكنها من استغلالها لصالح مصالحهم الخاصة. كما يحدث الفساد السياسى من خلال العملية الانتخابية واستقطاب المؤيدين وجمع التبرعات ومحاولات كسب الناخبين بالوسائل التى تلائم احتياجات كل شريحة، والتى تبدأ بتقديم الوعود من المرشح وتنتهى بشراء الأصوات، مما يدفع بتهديد المصلحة العامة للمجتمع ويشيع الفوضى وعدم النظام نتيجة للشعور بعدم العدالة والظلم البين الواقع على معظم أفراد المجتمع.
وعلى الرغم من أن دور المال لا غنى عنه فى الانتخابات الديمقراطية على مستوى العالم، إلا أن الأساليب غير النزيهة، المتبعة فى مصر، لمساندة المرشح مازالت تتمحور حول شراء الأصوات، وتقديم الهدايا، للوصول إلى الناخبين، وجميعها تتجه نحو المستوى المتزايد للفساد السياسى، خاصة عندما يقوم السياسيون برشوة الناخبين على نحو منظم. ويقود شراء الأصوات إلى نقطة يوافق فيها الناخبون حتى على المساهمات غير القانونية، وإساءة استخدام موارد الدولة على نطاق واسع، طالما أنهم يمكن أن يستفيدوا شخصيا من "العمل الخيرى" للسياسيين الفاسدين، ولا ينبغى التقليل من أهمية شراء الأصوات، حيث أنه من الواضح أنه مصدر محتمل لإقرار الفساد السياسى، وشراء الأصوات هى مشكلة رئيسية فى العديد من الديمقراطيات فى جميع أنحاء العالم.
وفى مصر الثورة (يناير 2011 و يونيو 2013)، أصبح موضوع الفساد بشكل عام، والفساد السياسى بشكل خاص، هو الشغل الشاغل لكل مصرى، ولم يعد الحديث عن الفساد مقصورًا على النخبة من المثقفين والنشطاء السياسيين والمنتمين للأحزاب وغيرهم من المهتمين بالشأن العام، بل أصبح الموضوع محل نقاش العامة من المواطنين، وذلك بسبب تنامى ظاهرة حجم الفساد السياسى الذى تتناوله وسائل الإعلام، وتنظره المحاكم المصرية بعد الثورة، وهو ما أثار العديد من التساؤلات لدى المواطنين حول: ما هى الأسباب التى أدت إلى انتشار ظاهرة الفساد السياسى فى مصر وبعد ثورة 25 يناير؟ وهل يعود انتشار ظاهرة الفساد فى مصر إلى خلل هيكلى فى العلاقات بين سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، أو إلى غياب استقلالية أجهزة ومؤسسات مكافحة الفساد، أو قلة الكفاءة المادية والبشرية والتضارب التشريعى وتضارب المصالح.
وهذا ما سوف نعالجه فى المقالات القادمة.