الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

التعليم الأزهري و ذبول الوسطية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظللت علي ظني أن التعليم الأزهري يرسخ الوسطية حتى شهدت في منتصف عام 2001 واقعة نشر قصة تحمل عنوان "وليمة أعشاب البحر" بدأت الأحداث بمقال في جريدة الأسبوع المستقلة يأخذ صاحبه علي الرواية ما اعتبره تهجمًا علي المقدسات الإسلامية، وردٌ على ذلك من كاتب آخر في نفس الجريدة يختلف معه فيما ذهب إليه، ثم انتقل الأمر إلي جريدة الشعب الحزبية لينشر أحد كتابها مقالًا اختار له عنوان " من يبايعني علي الموت؟ "، وتداعت الأحداث لتنطلق مظاهرة طالبات ثم طلاب جامعة الأزهر رافعة صورًا من المقال، و كتبت آنذاك مقالا أرصد فيه ما جري من تحول و اخترت عنوانا له "ألا هل بلغت اللهم فاشهد" كتبت متسائلا "إلي هنا والأمر لا يعدو أن يكون صيحة ينقصها من يقول لبيك، وقد لبتها بناتنا ثم لباها أبناؤنا طلاب الأزهر، ترى لماذا كانوا هم بالذات الأقرب للتلبية ؟ إنهم ببساطة الأقرب إلي فهم النداء بحكم تخصصهم، ومن ناحية أخرى فإنهم بحكم إقامتهم في المدينة الجامعية في مناخ يكفل قدرًا أكبر من التفاعل الاجتماعي المكثف ، وفي ظل ضغوط اقتصادية واجتماعية يعاني منها الشباب بعامة ، وتلك الشريحة الشبابية بشكل خاص، في ظل هذه الظروف تطور الأمر إلي ما تطور إليه" و مضيت متسائلا " ولكن تري هل نجرؤ علي تحميلهم مسئولية ذلك أم أننا في الحقيقة المسئولون قبلهم؟ لقد أعددنا أبناءنا - وليس الأزهريون باستثناءٍ في هذا الصدد - علي التلقي دون تيقن، فأفقدناهم ميزة إعمال العقل ، ثم تناقضت أقوالنا مع أفعالنا فاهتزت مصداقيتنا لديهم ، ثم حرمناهم بل وحرمنا أنفسنا من أشكال الاحتجاج السلمي التي يعرفها العالم من حولنا، فلم يعد لديهم سوي الاستسلام وهو ما لم يستطيعونه والأمر متعلق بالمقدسات الدينية، ولم يعد أمامهم سوى العنف وهو ما مارسوه دون تردد" واختتمت مقالي غير المنشور مؤكدًا أن "جذور ما حدث ما زالت قائمة، وتكرار ما حدث بصورة أو بأخرى في قطاع أو آخر من قطاعات الشباب أو غيرهم ما زال واردًا، وكلما مضي الوقت ازدادت الاحتمالات ورودًا، وازدادت إمكانات الحل صعوبة، وازدادت المواجهة تكلفة".
وتوشك مطابع المركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية أن تصدر تقريرا عن بحث شرفت بالإشراف عليه حول "العنف السياسي في المجتمع المصري في ضوء المتغيرات المحلية و العالمية"، و قد حاولنا من خلال البحث أن نتفهم السبب في خفوت جاذبية النغمة الوسطية بالنسبة للخطاب السياسي بعامة و الديني علي وجه الخصوص؛ أو بعبارة أخري لماذا يحظي الخطاب الديني المتطرف بتلك الجاذبية الملحوظة.
وقد تجنب البحث أسلوب الاستبيانات التقليدي، و تبني عوضا عن ذلك ما يعرف بأسلوب تحليل مضمون الشهادات الواقعية، فقامت هيئة البحث بلقاءات مكثفة مع عينة منتقاة من الخبراء الذين اشتبكوا لسنوات مع الظاهرة موضع الاهتمام بحكم مواقعهم الفكرية و التنفيذية؛ بحيث نتعرف من خلال المعالجة العلمية لشهاداتهم علي أبعاد تلك الظاهرة و جذورها و كيفية التعامل معها.
والتقت هيئة البحث بالمجموعة المنتقاة من الخبراء في لقاءات فردية و جماعية استمرت من 15 أبريل 2009 حتى 14 يوليو 2010، و كانت كل اللقاءات مسجلة بعد استئذان المشاركين بطبيعة الحال و تم بعد ذلك تفريغها حرفيا لتصبح جاهزة للاستخلاص و التعقيب.
لقد شارك في الإدلاء بشهاداتهم تلك الكوكبة المنتقاة من الخبراء، التي ضمت عددا من رجال الأزهر الشريف، ومن المتخصصين في العلوم الاجتماعية، ومن المفكرين والممارسين من أصحاب الاهتمام بالحركات الاجتماعية الدينية، ومن رجال الإعلام ، فضلا عن بعض قيادات جهاز الشرطة أصحاب الخبرة في التعامل مع الجماعات الدينية، ووفقا لتلك المعايير جرت اللقاءات مع 18 شخصية.
وقد رأى مجموعة من هؤلاء الخبراء أن الإضعاف المتعمد لدور المؤسسة الدينية الأم المتمثلة في الأزهر الشريف منذ قيام ثورة يوليو 1952 أحد أسباب نمو العنف السياسي الديني في مصر، وهذا الإضعاف أخذ عدة مناحي منها: التدخل في اختيار شيخ الأزهر وتسييس المنصب، وساعد عليه الاختلاف والصراع داخل الأزهر، والتفنن في إنشاء مؤسسات موازية متصارعة، مما خلق تعدد في المرجعيات؛ فأصبح هناك بجوار الأزهر الشريف: دار الإفتاء، ووزارة الأوقاف، ومجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
لقد سادت صورة الأزهر باعتباره الذراع الدينية للدولة، و كان طبيعيا و الأمر كذلك أن ترتفع نغمة التلقين و الحفظ و أن تضعف نغمة تأكيد تعدد الاجتهادات؛ و بالتالي أن يسود طلاب الأزهر ما يميل إليه طلابنا عموما من تمرد علي السلطة؛ وأن يتخذ ذلك التمرد بحكم التخصص و بحكم حركة النشطاء الإسلاميين طابعا دينيا عنيفا. 
خلاصة القول لقد تغير التعليم الأزهري ولم يعد حصن الوسطية كما كان قديما.