حينما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرًا بعد أن اشتد أذى أهله لشخصه الكريم صلوات ربي وسلامه عليه قال: "أما والله لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت، يا بني عبد مناف إن كنتم ولاة هذا الأمر من بعدي فلا تمنعوا طائفا ببيت الله ساعة ما شاء من ليل ولا نهار ولولا أن تطغى قريش لأخبرتها ما لها عند الله، اللهم إنك أذقت أولهم وبالا فأذق آخرهم نوالا ".
رواه أبو يعلي الموصلي ورجاله ثقات.. وروى بعضه الترمذي.
فوائد: مكة أحب بلاد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهي مسقط رأسه.. ومرتع صباه.. ومنبع شبابه وكهولته.. تفتحت عيناه على وديانها.. ودبت أقدامه خطواتها الأولى بها.. كبر فيها.. وارتوى من مائها.. وأكل من طعامها.. فكأنه بعض منها وكأنها على وسعها ورحبها ضمها صدره الكريم.. بها أحب ما في الأرض إلى الرسول الكريم.. بها بيت الله الحرام.. بها أهله.. وعشيرته أقرب الناس إليه الذين كان من المفترض أن يكونوا عزوته ويكون صلوات ربي عليه عزهم إلا أن ذلك لم يكن كذلك.. فبدله ربه بخير أهل الأرض إلى قيام الساعة أهل يثرب التي يبعد أهلها مسير ثمانية أيام.. وتحولت يثرب إلى مدينة الرسول.. وأصبحوا عزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأصبح الرسول عزهم.. واقترن اسمهم باسمه فصاروا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم واقترن اسم مدينتهم بالرسول فأصبحت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح اسمها علمًا "المدينة".
أحبهم النبي صلى الله عليهم وسلم فقال لهم: "والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي".. وربط بين حبهم وبين الإيمان بالله واليوم الآخر: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر".. وقال صلوات ربي وسلامه عليه: "من أحب الأنصار أحبه الله، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله"، اللهم إني أشهدك أني أحب الأنصار.. وأحب كل أنصار من خذله قومه في الحق وجاروا عليه فأكرمه ربه بأنصار
وإكرامًا من النبي للكريم.. في فتح حنين.. وكان فتح مكة قريبًا.. قال الرسول الأكرم لأنصاره: "ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والإبل، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم، الأنصار شعار، والناس دثار، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض".. فكان خروجه من مكة خروج بلا عودة.. وإقامته بين أنصاره إقامة بلا عودة صلوات ربي وسلامه عليه.
ومما سبق وما قبله مما حدث مع أنبياء الله الكرام.. صار المثل "لا كرامة لنبي في قومه"
وفي ذات المعنى قال مالئُ الدنيا وشاغل الناس "أنا في أمة تداركها الله .. غريب كصالح في ثمود".
وفي الكتاب المقدس جاء مثل ذلك المعنى بعبارات صريحة.. إنجيل يوحنا 4: 44 : "وبعد اليومين خرج من هناك ومضى إلى الجليل، لأن يسوع نفسه شهد أنه ليس لنبيّ كرامة في وطنه".
وفي إنجيل مرقس 6: 4 : ""فكانوا يعثرون به، فقال لهم يسوع: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته".
النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام وأصحابه البررة رغم ما فعله أهله وعشيرته وقومه في مكة لم يخفِ حبه لهم فدعا لهم في نهاية كلمته مودعا "أم القرى".. تمنى لهم الخير داعيًا ربه "فأذق أخرهم نوالا" أي عطاءً كبيرًا وخيرًا كثيرًا.
وقبل ذلك دعا من نبتغي شفاعته لقومه رغم أذاهم له: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون".. ويخالف إخوانه الأنبياء الذين دعوا على قومهم فيدعي لقومه ويقول "يا رب أمتى أمتى" فيرد عليه رب العزة من فوق سبع سماوات وعرش عظيم في رسالة وجهها للنبي عبر أمين الوحي "إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك".
في ذلك المعنى قيل البيت المحرف " بلادي وإن جارت عليّ عزيزة .. وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام"
وأصله: بلادي وأن هانت علـى عزيزة .. ولو أنني أعــــري بهـــا وأجوع
ولي كف ضرغام أصول ببطشها .. وأشري بها بين الـوري وأبيع
تظل ملوك الأرض تلثـم ظهرهـا .. وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحــت الثرى ثم أبتغي .. خلاصا لها؟ أنى إذن لوضيع
وما أنا إلا المسك فــي كل بلدة .. أضـوع وأما عندكم فأضيع
وقائله: ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قتادة أبو عزيز بن إدريس بن مطاعن بن عبدالكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبدالله أبي الكرم بن موسى الجون بن عبدالله بمن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وكان واليًا على مكة وللأبيات قصة لعلنا إن أراد الله نرويها.
خلاصة القول ما قاله ثالث أئمة أهل السنة الأربعة الشافعي أبو عبدالله محمد بن إدريس القرشي
ولا حزن يدوم ولا سرور .. ولا بؤس عليك ولا رخاءُ