الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قانون «148» يخنق المعاش المبكر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نجح قانون ١٤٨ لسنة ٢٠١٩ فى بث القلق وسط عشرات الآلاف من الأسر المصرية. القانون يخص التأمينات والمعاشات. صدر القانون والحمد لله وبدأ تطبيقه فى أول يناير ٢٠٢٠ وحتى كتابة هذا المقال، لم تصدر اللائحة التنفيذية من الوزارة المختصة، مما تسبب فى ارتباك واسع من الإسكندرية إلى أسوان ومشاحنات يومية فى مكاتب التأمينات.
أقول إن القانون الذى قدمته الحكومة وصدق عليه البرلمان أغلق بيوت ضحاياه بالضبة والمفتاح ولا تنتظر هذه البيوت إلا رحمة الله حتى تدور عجلة التنمية، وذلك بعد التخفف من عدد كبير من العمال الذين أمضوا حياتهم فى عذاب العمل بالقطاع بالخاص.. وأعتقد أن فلسفة هذا القانون جاءت من وحى أغنية الشيخ إمام عيسى التى يقول فيها (هاتقولى الفقرا ومشكلاتهم.. دى مسائل عاوزة التفانين.. وأنا رأيى نحلها ربانى.. ونموت كل الجعانين).
ما هى الحكاية؟.. الحكاية هى أن المصريين الذين رماهم الذل والهوان فى سنوات مبارك الجافة وعملوا بالقطاع الخاص بأقل أجر وأعلى نسبة من الاستغلال كانوا حسب القانون القديم من حقهم التقاعد والخروج إلى المعاش فى سن الستين، وجاء القانون الجديد ليرفع السن إلى خمسة وستين عاما بزيادة خمس سنوات أعمال شاقة جديدة.. وكأن العمر به مزيد من خمسات السنوات ليرتاح فيها العامل. 
رفع سن المعاش إلى خمسة وستين عاما يعنى دوران العامل فى فلك منظومة العمل بشكل مؤبد ولا يفلت من تلك المنظومة إلا وهو فى طريقه إلى القبر.
ليس هذا فقط ولكن جاء القانون الجديد ليمنع العامل من التقاعد بعد عشرين سنة من الخدمة حسبما كان مقررا فى القانون القديم الذى ألغاه مجلس النواب العام الماضى وجاء بالقانون الجديد الذى حمل رقم ١٤٨.
الناس تحملت العمل فى القطاع الخاص تحت الضغط.. ورديات وسهر وعرق ومرض بأقل الأجور.. الناس التى تحملت تعسف صاحب المال وباعوا أعمارهم وكرامتهم لكى يدفعوا مصاريف مدارس أطفالهم، ولكى يتمكنوا صباح كل يوم من شراء الفول والطعمية لإفطار أبنائهم. هؤلاء الناس يستيقظون الآن من نومهم فى منتصف الليل ويتجهون إلى السماء بالدعاء لمواجهة هذه المصيبة.
عشرون عاما من الذل والقهر المتواصل أملا فى يوم التقاعد ليستريح الجسد الذى أوشك على الانهيار فى الطريق العام.
وفجأة يصدر القانون القاتل لكى يجلس الأب على الرصيف متكلما مع الهواء.
عدد من النواب سارعوا بتقديم طلبات لتعديل القانون.. وعدد من المحامين استعدوا للاتجاه إلى القضاء.
إن الله لا يرضى بأكبر عملية إقصاء يتم تنفيذها فى مواجهة مرضى وعجزة وأرامل وسيدات معيلات لأطفال.. هؤلاء الذين قدموا صحتهم وأعمارهم يحصدون الآن الذبح غير الرحيم.
بالمنطق.. هؤلاء الضحايا عندما اشتركوا بالتأمينات قبل عشرين عاما ودفعوا الاشتراك شهريًا دون انقطاع كان الاتفاق أن من حقهم التقاعد بعد عشرين عامًا. ولكن أن تباغتهم الحكومة من خلال قانونها التفصيل بإلغاء هذا البند من الاتفاق فلا يمكن وصف الأمر إلا بالتجبر وصناعة الاحتقان والغضب فى الشارع المصرى. 
اللصوصية لا يمكن اختصار صورتها فى نشال بالأتوبيس أو هجام على شقة مغلقة.. اللصوصية من الممكن لها أن تكون فى صورة تشريع لسرقة مدخرات المشتركين.. وهنا نتذكر بوضوح شركات توظيف الأموال التى نهبت مدخرات الشعب المصرى، ونسأل ما هو الفرق بين تلك الشركات الملعونه وبين هدف قانون التأمينات الجديد؟ 
قرأت عن حالات أتمت العشرين عاما وتم تصفيتها من عملها بالفصل وحالات أتمت العشرين عاما وتم تصفية مصانعها التى عملت بها.. ولا فرصة جديدة أمامها للعمل بحكم السن والمرض وبالرغم من ذلك يقول لهم القانون الجديد.. اخبطوا رؤوسكم فى الحائط.. مدخراتكم عندى ولا معاش لكم عندي.
لو كان هؤلاء الضحايا يعلمون أن فى آخر الزمان سوف يطل عليهم من يحرمهم من أموالهم مبتسما فى غرفته المكيفة، ما كانوا اشتركوا بالتأمينات ولا دفعوا أقساطا شهرية واكتفوا بالادخار تحت البلاطة.
نحن نقول بكل العقل والوطنية الملتزمة بالحفاظ على المال العام، إن الانتقال من قانون قديم إلى قانون جديد يفرض مرحلة انتقالية لتسوية حقوق الناس.. أما التجبر وإغماض العين فهو لا يؤدى إلا إلى الخراب.. وقتها حضرة المسئول الجالس على الكرسى الإسفنج الذى قال إن التأمينات تشبه الجمعية التى تنظمها ستات البيوت لن يجد أمامه سوى سخط الناس وغضبهم.