في المفهوم العسكري، تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمنطقة الغربية العسكرية في سيدي براني، وتفقد قواتها من كل الأسلحة، عبارة "تفتيش حرب"، أي لحظة النفير، وإعلان الاستعداد الأخير للتحرك في اللحظة المناسبة للدفاع عن الوطن ومقدراته، وحماية أمن مصر القومي، ووقف أي عدوان مُحتمل ضد البلاد.
الزيارة تحمل العديد من الرسائل في اللحظة المناسبة ورسالة قوية عن قدرات جيش مصر واستعداداته لتلقين أي معتدٍ أو من يفكر في الاعتداء على مصر وتهديد أمن شعبها وأرضها درسًا في المعارك، فمصر التي هزمت جيش إسرائيل الذي قيل عنه، إنه لا يُقهر، في ست ساعات، قادر أن يكرر التجربة ضد أي معتدٍ غربا وجنوبا وشرقًا، وإلحاق هزيمة جديدة بالمعتدين، وتذكيرهم بالهزائم التي خاضها على مر التاريخ.
من تابع كلمات الرئيس يدرك أنه حرص على توجيه رسالة للعالم، يرصد فيها تاريخ الأزمة الليبية، واتباع كل الوسائل السياسية والدبلوماسية من جانب مصر من أجل المصالح الليبية، أولا وأخيرا، والانفتاح على كل الأطراف، حتى وصلنا إلى المرحلة التي نقول فيها: "إن أي تدخل مباشر من الدولة المصرية في الأزمة الليبية تتوفر له الشرعية الدولية سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة، بالدفاع عن النفس، أو بناءً على السلطة الشرعية المنتخبة من الشعب الليبي المتمثلة في مجلس النواب.
حرص الرئيس أن يوضح للعالم في رسالته، قبيل الإعلان عن خطوة إستراتيجية عسكرية متوقعة، بأن مصر اتخذت منذ البداية موقفا استراتيجيًا ثابتًا داعمًا للتوصل إلى تسوية شاملة تضمن السيادة والوحدة الوطنية والإقليمية وسلامة وأمن الأراضي الليبية واستعادة أركان مؤسسات الدولة وإعطاء الأسبقية للقضاء على الإرهاب ومنع انتشار الجماعات الإجرامية والمليشيات المتطرفة والمسلحة ووضع حد للتدخلات الأجنبية غير الشرعية.
وعلى مدى سنوات لم تغفل مصر "الدولة القوية"، أن تستخدم كل الوسائل لاستقرار الأوضاع في ليبيا، من خلال رعاية العديد من الاجتماعات التي جمعت كافة مكونات الشعب الليبي من جميع الأقاليم والفئات لتسوية شاملة تتوافق مع خيارات الجميع، والتي اختتمت بـ"إعلان القاهرة"، والذي جاء متسقًا مع المبادرات الدولية، ومخرجات مؤتمر برلين، بهدف تحقيق إرادة وطموحات كافة مكونات الشعب الليبي.
وفي مقابل التأييد العالمي والإقليمي والعربي للمبادرة المصرية، ومن الداخل الليبي، خرجت علينا حكومة فايز السراج "الوفاق" الموالية لتركيا والسلطان الحالم "رجب طيب أردوغان" لتعلن رفضها لهذه المبادرة تأكيدا على إعلاء مصالح "المحتل التركي" على مصالح أبناء الشعب الليبي.
وكان حتما لا بد أن ترد مصر على هذا الرفض من عملاء أنقرة، ليأتي الرئيس السيسي مخاطبا جيش وأبناء مصر وموجها رسالة للعالم، ومخاطبًا جيش مصر وشعبها وقبائل ليبيا بقوله: "نقف اليوم أمام مرحلة فارقة، تتأسس على حدودنا تهديدات مباشرة تتطلب منا التكاتف والتعاون ليس فيما بيننا فقط وإنما مع أشقائنا من الشعب الليبي والقوى الصديقة للحماية والدفاع عن بلدينا ومقدرات شعوبنا من العدوان الذي تشنه الميليشيات المسلحة الإرهابية والمرتزقة".
ومن الملاحظات المهمة في رسالة الرئيس للعالم، الحرص على حضور ممثلي القبائل، الذين يعيشون في كل من مصر وليبيا، هذا اللقاء المهم أو قل "تفتيش الحرب" واختيار "العمدة منصور ابسيس"، من قبيلة المنفة التي ينتمي لها المجاهد عمر المختار، وهو النائب الثاني للمجلس الأعلى لقبائل المرابطين والأشراف الذي تضم 63 قبيلة، لإلقاء كلمة الليبيين، في لفتة مهمة لمدى التعاون والتنسيق في هذه المرحلة التاريخية، التي تستلزم تعاون على أعلى درجة، وهو ما أكده إعلان مجلس قبائل المرابطين والأشراف بتطوّع 500 شاب و300 شيخ من كل قبيلة لمواجهة عدو مشترك.
ويأتي خلال "تفتيش الحرب" رسائل مهمة أخرى على لسان الرئيس، ولكل الأعداء غربًا وجنوبًا، وشرقًا وشمالًا، "يخطئ من يظن أو يعتقد أن حلمنا، أي صبرنا، ضعف، ويخطئ من يفسر أو يظن أن صبرنا تردد، فصبرنا من أجل استجلاء الموقف وإيضاح الحقائق لكن ليس أبدا ضعفا أو تردد".
رسالتنا للعالم كله، وللخطر القائم على الحدود مع ليبيا أو في إثيوبيا، هي أن لدينا جيشا هو التاسع عالميا، والأول في المنطقة وأفريقيا والشرق الأوسط، وجيش قادر على فِعل المستحيل، جيش تعداده مميز في القوة الجوية، والرابع في الدبابات، والسابع بحريًا، بل ووفقا للمؤسسات الدولية، جيش قوامه 100 مليون نسمة بينهم 43 مليون قوة عاملة متاحة، يصلح منهم للخدمة العسكرية أكثر من 36 مليون نسمة.
أعتقد أن الرسالة وصلت.