منذ أن اكتشف المصريون حقيقة وضع بلادهم وأهميتها الجغرافية والتاريخية، كواحدة من أهم بقاع الأرض صناعة للتاريخ وتشكيلا للحضارات، في التاريخ القديم والحديث، راحوا يخططون ويبنون استراتيجياتهم على هذا الأساس، فمصر ليست دولة من تلك الدول التي تملك رفاهية الانكفاء على ذاتها، سواء للبناء أو التنمية، أو حتى كفاية لشر النفس أو الغير، لا موقعها الجغرافى الحيوى في قلب العالم، ولا مكانتها التاريخية تسمح لها بذلك، وظل المصريون حكاما ومحكومين يعملون وفق تلك الصيغة، منذ أحمس هازم الهكسوس، مرورا بسيف الدين قطز، والناصر صلاح الدين، وصولا إلى محمد علي وأبنائه من بعده الذين حكموا مصر لما يقرب من قرن ونصف، صنع خلالها إبراهيم باشا مجدًا يحاكي به ما صنعه الإسكندر الأكبر ونابليون.
وظل الساسة المصريون، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، ومعهم أجهزة المعلومات، سواء الداخلية منها أو الخارجية، يتعاملون وفق تلك الصيغة، مُدركين كل أبعادها السياسية والأمنية، تلك الأبعاد التي تفرض على القاهرة التمدد والتأثير في محيطها الإقليمي والدولي ليس من قبيل الهيمنة، ولكن من قبيل الحفاظ على أمن بلد تتكالب عليه الأمم منذ فجر التاريخ طمعًا في موقعه الجغرافي ومكانته الاستراتيجية.
واليوم نحن في أمسّ الحاجة لاستعادة واستيعاب ذلك المفهوم الشامل لأمننا القومي الذي لا يقف عند حماية حدودنا الأربعة ضد التدخل الخارجي، ولكن أيضًا حماية مقدراتنا الطبيعية والإنسانية ومحيطنا الإقليمي المتداخل والمتشارك معنا في المصير، فلأول مرة منذ أن وجدت بلادنا على خريطة الكون تتهدد حدودنا الاستراتيجية الأربعة في توقيت واحد:
في الجنوب حيث يحاولون تعطيشنا عبر التأثير على حصتنا من مياه النيل الثابتة وفق كافة المواثيق الدولية.. وفي الشرق في سيناء يحاول الإرهاب الأسود المدعوم من قطر والتنظيم الدولي للإخوان النيل من عزيمة جيشنا واستهداف أفراده.. وفي الغرب حيث التدخلات التركية التي تحاول الهيمنة على الشقيقة ليبيا وتهديد أمننا الغربي وفي الشمال تستمر محاولات منعنا من استثمار حصتنا من الغاز التي تقع ضمن حدودنا الإقليمية فيما يعرف بحروب الغاز.
إن المؤامرات التي تُحاك ضد مصر اليوم من قبل محاور عديدة بعضها يريد تقزيم دورنا لصالحه كايران، تلك الدولة التي ما زالت تحلم بعودة سيطرتها كإمبراطورية فارسية على العالم، وبخاصة الشرق الأوسط، وكذا إسرائيل ومن ورائها أمريكا وبعض دول الغرب، الذين يحلمون بإمبراطورية صهيونية تمتد من النيل حتى الفرات، سواء جاءت تلك الإمبراطورية على أسنة الرماح، أم جاءت على ورق البنكنوت وأسهم البورصة وسندات البنوك وحصص الشركات العابرة للقارات، والأسواق المشتركة، أم تركيا التي عبرت الأطلسي لتأتي على حدودنا في محاولة للتمركز عبر قواعد عسكرية تنال من استقلال دولة عربية شقيقة وتهدد أمننا القومي عبر جلب عشرات الآلاف من المرتزقة والإرهابيين لتوطينهم على حدودنا.
كانت مصر تدرك أبعاد تلك المؤامرة منذ وقت طويل عندما حاول البعض باسم الثورة في ٢٥ يناير ٢٠١١ أن يضعف من قوتها، ويُقزّم من حجمها حتى يأتي ذلك اليوم الذي يفعلون بنا ما يريدون في وضح النهار.
ولكن كانت عناية الله قد أعدت لمصر قوة تحميها من كل تلك الأخطار وهم أبناؤها من القوات المسلحة.
لقد وقفت القوات المسلحة المصرية ببسالة ضد خطة إضعاف مصر تمهيدا لتقسيمها وتفتيت وحدتها وتصدت لها بهدوء وحزم، وعبرت بالبلاد إلى بر الأمان؟!
كانت القوات المسلحة المصرية مدركة لأهمية دورها كدرع، ليس لمصر وحسب وإنما للعرب جميعا، كما ظلت مدركة لعقيدتها باعتبارها قوات دفاع عن الأمن القومى المصرى ليس ضد الجيوش المهاجمة وحسب، وإنما ضد كل من تسول له نفسه النيل من أمن واستقرار مصر داخليا وخارجيا، ونحن على ثقة من قدرة جيشنا على التصدي لتلك التحديات والتهديدات التي تتعرض لها البلاد في تلك الأوقات الحرجة، عاقدين العزم على الوقوف صفًّا واحدًا جنودا متراصّين خلف القيادة السياسية وجنودنا البواسل في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، والله أكبر، والنصر لمصر.