السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التعليم قبل الجامعي في ظل جائحة كورونا بين التحديات والاستراتيجيات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الواقع أن جائحة (كوفيد-19) الحالية التى يمر بها العالم قد هددت التعليم بشكل لم يسبق له مثيل فى التاريخ المعاصر للبشرية، ولا شك أنها أوجدت تحديات جسام أمام مؤسسات التعليم يتمثل أولها فى كيفية التصدى للأزمة والحد من أثارها السلبية وعدم الوقوف عند مجرد التفكير فيها وفى كيفية التصدى لها؛ حيث إنها أوجدت أزمة فى تنفيذ الخطط الدراسية، وبرامج التدريب، وطرق الامتحانات والتقويم، ويجب أن نستفيد من التجربة ونخرج منها أقوى من ذى قبل.
وتشير إحصائيات اليونسكو الصادرة فى نهاية أبريل الماضى إلى تأثر 191 دولة بفوضى غير مسبوقة فى مجال التعليم بسبب هذه الجائحة، ترتب عليها انقطاع ما لا يقل عن 1.5 مليار طالب، و63 مليون معلّم عن أماكن الدراسة، كما أكدت المنظمة أن ما يعادل نصف عدد هؤلاء الطلاب لا يمتلكون رفاهية التعلّم عن بُعد لأنهم لا يمتلكون جهاز حاسب آلى، ولا إمكانية الاتصال بشبكة الإنترنت.
ويتمثل التحدى الأكبر فى أن هذه الجائحة جاءت فى وقت نعانى فيه بالفعل من أزمة تعليمية، نظرًا لارتفاع كثافة الفصول، واختفاء الأنشطة من معظم المدارس، وانقطاع طلاب الشهادات عن المدارس، وارتفاع معدلات التسرب، وارتفاع نسبة الطلاب - فى مستوى الصف الرابع- الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، وبالطبع إذا لم نسارع بالتصرف فقد تتعقد الأمور وتكون النتائج أسوأ من التوقع.
إن استمرار هذه الجائحة قد يترتب عليه تأخر فى بدء العام الدراسى أو تأجيله أو حتى توقفه، ومن ثم اضطراب وفوضى فى حياة الأسر، والتلاميذ، والمعلمين، الأمر الذى قد ينعكس سلبًا على استقرار المجتمع، كما أن استمرارها قد يضع أيضًا قضية تكافؤ الفرص التعليمية على المحك لأن الطلاب أبناء الفقراء لا تتوافر لهم أماكن للدراسة فى منازلهم، ولا إمكانيات للاتصال بشبكة الإنترنت، ولا أى مساندة من أسرهم نظرًا لكون معظم ابائهم من الأميين الذين لا يستطيعون القراءة ولا الكتابة، فى حين يحظى أقرانهم من أبناء الطبقات الأخرى بكل ما سبق.
نعلم جميعًا أن معدلات انقطاع الطلاب عن المدرسة قبل هذه الجائحة كانت عالية وبصفة خاصة فى سنوات الشهادات، وإذا استمر الوضع الحالى فستنقطع علاقة الطلبة بالمدارس تمامًا، ويعد ذلك – بالطبع- مؤشر خطير لأن الطالب لا يذهب إلى المدرسة لتعلم الرياضيات والعلوم واللغات وباقى المواد المعرفية فقط، ولكنه يذهب إليها ليتعامل مع أقرانه ويطور من مهاراته الاجتماعية ويكتسب القيم الإيجابية نحو المدرسة والأسرة والمجتمع. وعلى ذلك من الضرورى أن نحافظ على التواصل مع المدرسة بأى شكل أو وسيلة.
لقد تسببت الجائحة فى توقف برامج التغذية المدرسية للأطفال وهى أمر ضرورى لتنمية مداركهم وبصفة خاصة الأطفال الفقراء الذين تمثل الوجبة المدرسية شيئًا مهمًا بالنسبة لهم، ومن ثم فإذا تعذر تنفيذها لأسباب لوجستية، فينبغى التوسع فى برامج التحويلات النقدية من أجل تعويض أولياء الأمور، هذا بالإضافة إلى أن أمد هذه الجائحة قد يطول وتتسبب تداعياتها الاقتصادية فى فقدان كثير من الوظائف وتوسيع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وهو أمر قد يستغله أعداء الوطن- لا سمح الله- فى إثارة الفوضى والاضطرابات.
وفى ضوء هذه التحديات يظل السؤال الذى يطرح نفسه: ما الاستراتيجيات المقترحة للحد من الآثار وتقليل المخاطر على تعلم الأطفال وبصفة خاصة الفقراء منهم؟
من الأمور المسلم بها أن أى كارثة تأتى بلا استئذان وغالبًا ما تسبب خسائر مادية وبشرية ونفسية واجتماعية كبيرة، لكن فى خضم الأحداث غالبًا ما تظهر كثير من المنافع، وفيما يتعلق بالجائحة الحالية صحيح أننا نعانى من تداعياتها فى كل مناحى الحياة لكننا لا نستطيع أن ننكر أنها أيضًا أوجدت فرصًا للعصف الذهني، والتفكير الإبداعي، والتغيير الاستراتيجى فى عقول القيادات والمعلمين والطلاب والأباء كان من الصعب الحديث عنه قبل هذه الجائحة، واعتقد أننا يجب أن نستثمر هذا الوضع نحو تبنى مزيد من معطيات التكنولوجيا فى تنفيذ التعليم عن بُعد.
وإذا كانت الأزمة الحالية قد كشفت عن هشاشة البنى التحتية للنظام التعليمى فيجب على الجميع اتباع أساليب أكثر واقعية وموضوعية فى التعامل مع الأزمة، ومراجعة النظام التعليمى فى إطار مرجعيات وطنية ودولية بما يدحض مقاومة التغيير المدفوعة من البعض بشعور الأمان، والبحث عن أسباب التقدم والتعامل مع الكوارث والأزمات من خلال حلول ابتكارية واستراتيجيات تعتمد على المكاشفة والتعاون بين كل الأطراف.
إننا لا محالة فى حاجة لتطوير نموذج التعليم الإلكترونى الجارى تطبيقه لضمان تعليم جيد ومنصف وشامل طبقًا للمادة 19 من الدستور، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة؛ فبالرغم من أن هذا النمط من التعليم يحقق اقتصاد فى الوقت والجهد والمال والخبرات؛ إلا أنه يظل هناك شك بشأن فاعليته فى تأمين تعليم عالى الجودة لكل المتعلمين، وبشأن جاهزية المنظومة التعليمية لتنفيذه على الوجه الصحيح بما تتضمنه من معلمين ومتعلمين ومؤسسة تعليمية ومنزل ومجتمع.
وإذا كان دور الأسرة بصفة عامة من الأدوار المهمة فى العملية التربوية فى كل الأوقات، فهو فى ظل هذه الجائحة يكون بالغ الأهمية، ومن ثم فعلى على وزارة التربية والتعليم أن توجه العون للأسر، من خلال النصائح والمشورة عبر الإذاعة والتليفزيون والرسائل النصية القصيرة، التى تساعدهم وتعينهم على تقديم دعم أفضل للأبناء أثناء هذه الجائحة وبعدها.
باختصار يمكن القول بأن النظام التعليمى يعانى من أزمات بنيوية ومالية وإدارية؛ وبالتالى لا بد من إجراء إصلاحات واعتماد استراتيجيات تخرجه من أزماته وتحل مشكلاته وتعيد تأهيله لمواجهة تحديات العصر، وأنا فى تقديرى أن التعليم لن يعود لما قبل جائحة (كوفيد19) الحالية وعلينا أن نستعد من الآن للدمج بين التعليم المباشر والتعليم الافتراضى لتقديم مخرجات عالية الجودة، وفى هذا السياق أرى أن استراتيجيات التعليم المدمج تتطلب منا الكثير مما يمكن عمله؛ حيث تتطلب منا أن:
- نُطور شبكة الإنترنت وما توفره من وسائل مثل بنك المعرفة، وخدمة الواتس، والمدونات والفيديوهات، والتسجيلات الصوتية.
- لا نستهين بدور الإذاعة والتليفزيون، لأن الإذاعة تصل إلى العدد الأكبر من الطلاب خاصة الذين يعيشون فى أطراف البلاد فى شمال وجنوب سيناء ومطروح وحلايب وشلاتين وغيرهم من المناطق النائية، وفى هذه الحالة يكون من المفروض على محطات الإذاعة والتليفزيون أن تدرك الدور المحورى المنوط بها وتدفع باتجاه تحسين جودة برامجها الموجهة لخدمة العملية التعليمية.
- نعمل مع شركات الاتصالات لتطبيق سياسات تيسر على الطلاب تنزيل مواد التعلُّم على هواتفهم المحمولة بالمجان أو بأسعار رمزية.
- نُحدث البنية التحتية التكنولوجية ونوصل شبكة الإنترنت وشبكات المحمول إلى جميع المدن والقرى وخاصة فى جنوب البلاد وأطرافها.
- نُمكن المعلمين من المهارات الرقمية وندربهم على مهارات التعليم من بعد.
- نُنفذ التحول الرقمى فى المناهج وأساليب التقويم.
- ندرس تجربة التصحيح الإلكترونى ونقيمها ونطورها.
هذا هو تصورى للتحديات التى تواجه التعليم قبل الجامعى
والاستراتيجيات التى يمكن اتباعها فى ظل هذه الأزمة وما بعدها، مع خالص تمنياتى للقائمين على العملية التعليمية بالتوفيق والسداد، ولمصرنا العزيزة بالأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.
* وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى السابق