الأربعاء 08 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

شواطئ.. الأدب والحق في الموت (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يتابع إريك مارتي أستاذ الأدب المعاصر في جامعة باريس في كتاب "رولان بارت: الأدب والحق في الموت" بقوله: من هذا المنطلق يصبح بارت قريبا من منضب آخر للكلمات هو مالا رمية، هذا ما يشرح التقارب بين مذكراته المبهرة مع التجربة التي عاشها مالا رمية في حداد مهم. السؤال الآخر المهم الذي تحمله "مذكرات الحداد" هو "ماذا يحق لي كتابته؟ وهو سؤال يلامس موضوع الحداد، الأم. لآن الأم هي بالتأكيد الموضوع الكبير والمستحيل لكل أدب، بل أكثر من ذلك في الأدب الحديث. الأم هي بالتأكيد الموضوع المعاكس للحداثة منذ أمد بعيد. 
إن نظام الكتابة الذي يقترب منه بارت أكثر من غيره هو النظام المتبع في الكتاب التاسع من اعترافات القديس أوغسطين، حيث يسرد وفاة والدته. هناك بالفعل هذه الفقرة الرائعة حيث يدرج القديس أوغسطين من خلال عبارة "هذه هي أمي" فساد الصورة، لصورتها. ولكنه يكشفها بطريقة متفردة. إنها حكاية "خطيئة الأم الطفلة" التي تعهد بها إلى أوغسطين ذات يوم خادمة عجوز. هذه الأم كانت مكلفة بملء الأواني بالنبيذ للسفرة العائلية، وكانت تشرب منه عند مرورها: "قبل أن تصب النبيذ في الإناء شربت منه قليلا بأطراف شفاهها، قليل جدًا". هذه هي الذكرى الأولى التي تظهر في مخيلة أوغسطين في الوقت الذي علم فيه بوفاتها. 
ما يميز بارت عن القديس أوغسطين في "الاعترافات"، أن بارت يرفض مواساة العقل. إذ يحكى أوغسطين في الفصل العاشر الذي يروى موت الأم النشوة الدينية التي عاشها الاثنان قبل موتها، بارت تصرف مثل فيون في "نزهة لصلاة للسيدة العذراء": الأم معزولة على الأقل من النطاق الذي يسكنه الابن والذي هو نطاق الكتابة. الأم لدى أوغسطين أكثر دخولا في عالم الابن لأنها حاملة للكلمة، الكلمة الإلهية. 
في حين أن بارت كتب بعد وفاة والدته ببضعة أيام: "فكرة مخيفة لكنها غير مؤسفة إنها لم تكن كل شيءبالنسبة لي وإلا لما كتبت عملا". منذ أن قمت برعايتها، منذ ستة أشهر، كانت كل شيء بالنسبة لي وكنت نسيت تمامًا أنني كتبت، كنت لها كليًا. من قبل، كانت تجعل نفسها شفافة حتى أستطيع الكتابة. 
إن زمن العمل ليس زمن اليوميات، فالعمل يسقط الوقت، الكتابة لا تتوقف عن إزالة آثار الزمن مع ذلك تغذيها. هكذا، في وقت ما، من الغرفة المضيئة، يتذكر بارت الحدس الأولى الذي كان الدافع وراء الكتاب، ويكتب عن هذه البداية ما بين قوسين " إنها لبعيدة بالفعل " الكاتب كثير النسيان. 
نفهم أن يوميات الحداد هي مساحة للاعتراض على ثقافته، على حضارته التي أهملت وأضاعت عالم الحرف، الحرفية لصالح ما يزيل الحرف، وإذا يزيل ويكبح الموت. هذا الاعتراض يستهدف أحيانا الأصدقاء والمعارف الذين لا يتوقفون عن المجادلة عن الرغبة في تحويل الحزن إلى نسيان. وهدف خطابة هو التحليل النفسي، الذي هو كعلم النفس، يشكل تشويه أحرف الكلمات:" بروست يتحدث عن الحزن لا عن الحداد ( كلمة جديدة، تحليل نفسي مشوه ). أو كذلك " عدم قول حداد، يدخل بشدة في نطاق التحليل النفسي. لست في حداد ولكنى أشعر بألم. من هذا المنطلق، فإن يوميات الحداد كذلك ولكن بشكل مختلف " درجة الصفر للكتابة " مثيولوجيات و، S/Z، تعد يوميات الحداد تأملا عنيفًا على العلامة ونقدا للحضارة الحالية التي هي حضارة النسيان. ليس المقصود بنسيان الشخص، كما يعتقد بعض الفلاسفة، ولكنه نسيان الرمز، بمعنى النسيان بلا علاج. 
لهذا السبب يذهب بارت، ضد حضارته والثقافة التي يسكنها، إلى اللجوء في يوميات الحداد إلى مساحة أخرى، مساحة تعبير أخرى سوف نطلق عليها الشرق. هذا الشرق الذي يحوى كثيرًا من تجارب العلامة التي سرقت اليوم من ذاكرتنا، إلا أن هذا الشرق ليس هنا إمبراطورية العلامات أو الكتابة الرمزية حيث يرتسم منها فراغ آخر. إنه شرق آخر، ليس شرقًا أقصى، لكن أقرب إلينا، يلمسنا عن قرب، لقد كان تقريبًا شرقنا وإلا ما نسيناه. والذي يعود بأشكال مختلفة في اليوميات. إنه الشرق العبراني الذي ينتمي إلية المسيح. إنه الشرق الإغريقي، حيث تظل الأيقونة مثل الحجر هي أداة الحفظ الغائبة " مكان الغرفة حيث كانت مريضة وحيث أسكن الآن، الحائط الذي يتكئ عليه ظهر السرير، وضعت أيقونة – ليس بدافع الإيمان – كما وضعت وردًا على منضدة. أجد نفسي لا أرغب في السفر حتى أستطيع أن أكون هنا ن حتى لا يذبل الورد ". أنة الشرق الروسي الذي ينتمي إليه تولستوي حيث القداسة تعلن بعظمة اللا لغة وكأنها عدم انشغال بالظهور. 
وفى خاتمة الكتاب يقول إريك مارتي: هكذا ندخل إذن في نطاق الحق في الموت حيث لا يمكن تمييز بين القرب والبعيد، الندرة والاكتمال، الدموع وقوة القلب، الذاكرة والنسيان. الحق في الموت، إنه في ذاته تمامًا كالرغبة في الحياة، كالانفعالية التي هي تلك الرغبة، تطارد بلا توقف، تجذب وتباعد، ومن خلال هذه الحركة نفسها، حركة الموت وحركة الابتعاد عن الموت، تشكل وتجعل فعل الكتابة يولد.