الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

سد النهضة والفرصة الأخيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى هذا المكان من الأسبوع الماضى وتحديدًا يوم الثلاثاء 9 يونيو الحالى، وبعد إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى عن مبادرة "إعلان القاهرة" لحل الأزمة الليبية، فى حضور كل من المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى الليبى، ورئيس مجلس النواب الليبى المستشار عقيلة صالح أنهيت مقالى بالعبارة التالية، "وبمبادرة "مصر السيسي" فى نهاية عامه السادس من تولى الحكم بالبلاد، لحقن الدماء الليبية، ننتظر مبادرة لقضية وطنية إقليمية أخرى، تتعلق بمياه النيل، وأزمة سد النهضة".
وفى نفس اليوم، خرج علينا الرئيس عبدالفتاح السيسى، وعقب اجتماع مجلس الأمن القومى، ببيان مهم جدًا، سميته بـ"الفرصة الأخيرة" أمام إثيوبيا، للوصول إلى حل لأزمة سد النهضة، ووضع حد لهذه المهاترات والمماطلات التى اتبعتها وتصر عليها أديس أبابا، لكسب الوقت، بل وصل الأمر فى الفترة الأخيرة، إلى مرحلة تحدٍ وفرض الأمر الواقع.
شعرت من اليوم الأول للعودة لمفاوضات سد النهضة وما تلاه من أيام، أن إثيوبيا اختارت طريقا، معاكسا تماما لمسار المفاوضات، بعدما أعلن آبى أحمد رئيس وزرائها أن استكمال السد والدخول فى مرحلة ملء الخزان بمرحلته الأولى ستتم فى كل الأحوال، وكأنه يقول: "سنجتمع وما نريده سنفعله بأى شكل وشوفوا هتعملوا إيه!".
الإعلام والمسئولون والساسة الإثيوبيون، بل كل إثيوبى، يردد هذا بأشكال مختلفة، ووصل الأمر بأن يخرج أحدهم ويقول "مصر والسودان احتكرتا مياه النيل لسنوات، فكفى احتكارا"، إلى هذا الحد وصل الفهم الخاطئ لمياه النيل، بأن يعتبر وصول المياه إلى مصر كدولة مصب "احتكارا"، وهو مفهوم راسخ لدى الإثيوبيين حكومة وساسة وإعلام، وهو ما يفسره البعض بأن مصر ليس لها حق فى مياه النيل، حتى لو تم قطع المياه!!.
فى ظل هذا الفهم وغيره من المماطلات فى مفاوضات السد، يدفع بعض المراقبين للقول إن الحوار مع إثيوبيا، نوع من الحرث فى البحر، أو قُل "حرث فى النهر"، ولا جدوى من رحلة مفاوضات طال أمدها دون التحرك قيد أنملة، سوى مزيد من كسب "الأرض والوقت".
نعلم جيدا أن إثيوبيا فى مرحلة انتخابات، وكل ناخب يغازل ناخبيه بورقة وقضية مهمة، ولا توجد ورقة أهم من "سد النهضة" فى هذه المرحلة يمكن اللعب بها، بعيدا عن أى مخاطر وراء استخدام هذه القضية، فى العلاقات الدبلوماسية، والقضايا الاستراتيجية.
هذا بالفعل ما يحدث اليوم فى إثيوبيا، فمن يتابع ما يجرى فى أديس أبابا، ووسائل الإعلام يدرك للوهلة الأولى، أن هناك حالة تعبئة لا مثيل لها ضد مصر، وكأننا فى حالة حرب على الأرض، وليس مفاوضات حول حقوق تاريخية فى مياه النيل لمصر والسودان، وحقوق تنمية لإثيوبيا نفسها.
أتمنى أن تثمر جولة المفاوضات الحالية عن تقدم حقيقى يحفظ لشعب مصر حقوقه فى الحياة والتنمية، وأعتقد أن الدولة تدرك الآن وأكثر من أى وقت مضى سياسة تضييع الوقت التى تتبعها أديس أبابا فى المفاوضات على مدى سنوات طالت كثيرًا، وهو ما دفع مجلس الأمن القومى للاجتماع مرتين برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال 48 ساعة، والخروج ببيان فى الاجتماع الأول بلهجة جديدة وربما إشارة إنذار قد تكون الأخيرة، بعدما تجاوزنا الوقت المتاح!!.
كلمات البيان حادة وجادة هذه المرة "تؤكد مصر على موقفها المبدئى بالاستعداد الدائم للتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحقق مصالح مصر وإثيوبيا والسودان، ولكن هذه الدعوة جاءت متأخرة بعد 3 أسابيع منذ إطلاقها، وهو الأمر الذى يحتم تحديد إطار زمنى محكم لإجراء المفاوضات والانتهاء منها، وذلك منعًا لأن تصبح أداة جديدة للمماطلة والتنصل من الالتزامات الواردة بإعلان المبادئ الذى وقعته الدول الثلاث فى 2015".
ولم يغفل البيان ما تقوم به إثيوبيا وهو ما أسميه "اللعب بالنار" فقد لفت إلى أنه من الأهمية التنويه إلى أن هذه الدعوة قد صدرت فى ذات اليوم الذى أعادت فيه السلطات الإثيوبية التأكيد على اعتزامها السير قدمًا فى ملء خزان سد النهضة دون التوصل إلى اتفاق، وهو الأمر الذى يتنافى مع التزامات إثيوبيا القانونية الواردة بإعلان المبادئ، ويلقى بظلاله على المسار التفاوضى والنتائج المتوقعة.
وتواصل مصر المفاوضات فى إطار لحسن النوايا، وتؤكد من اليوم الأول على مبادئ حقوق كل الأطراف.
ويبقى أن نحدد الخطوة المقبلة لتحركنا للحفاظ على حق شعب، وأجيال، قبل أن يأتى يوما نُحاسب جميعًا على تصرفاتنا، وتخاذلنا.