فرضت جائحة كورونا حالة من العزلة بين البشر في حياتهم الطبيعية في ظل قرارات الإغلاق والابقاء في المنازل قدر الامكان وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وفى حالة الخروج تمارس أقصى درجات التباعد الاجتماعي حفاظا على حياتهم، هذه العزلة الطبيعية التى فرضتها الجائحة كانت السبيل الأكثر نجاحا في تقليل اعداد الاصابات وخفض تعداد الضحايا.
وغنى عن القول إن للعزلة الطبيعية رغم ايجابياتها كثير من السلبيات اقتصادية واجتماعية وكذلك سياسية وثقافية وتعليمية، وقد حاولت نظم الحياة الافتراضية (الإلكترونية) ان تقلل من هذه السلبيات عبر لعب دور الوسيط الضرورى الذى يحقق المعادلة التوازنية بين حماية الناس من العدوى الجسدية الناجمة عن تفاعلهم المباشر، وبين تيسير شئون حياتهم وأمورهم التى توقفت أو اصاب بعضها التعطل بسبب تلك الجائحة الفيروسية.
ولكن كما أن للعزلة الطبيعية مثالب عدة، فإن للعزلة الافتراضية مثالب عديدة، إذ حملت بين طياتها كثير من العدوى، بعضها يتعلق بالمشاعر كالخوف من المجهول الذى لا يعرفه أحد، وبعضها يتعلق بالفكر كانتشار الخرافات والاكاذيب والشائعات والتطرف، وبعضها متعلق بالسلوك كما هو الحال في انتشار حالات الاكتناز والتخزين فيما عرف بحمى الشراء الإلكترونية وكأن الموجود اليوم لن يعد موجودا في المستقبل.
في ضوء هذه الرؤية المختصرة لما افرزته العزلة بنوعيها الناجمة عن ازمة فيروس كورونا، تتبدى الاهمية التى يجب ان توليها المؤسسات البحثية والأكاديمية لدراسة تداعيات الازمة ليس فقط اقتصاديا كما يحاول البعض أن يقصرها في الجوانب الاقتصادية والتجارية والمالية فحسب، في حين أن التداعيات الداخلية للازمة الراهنة اوسع تأثيرا من هذه المجالات، بل ثمة مجالات حياتية أخرى تستوجب أن تحظى بمزيد من الدراسات والتحليلات تجنبا لتفاقم هذه التداعيات إذا لم تتم معالجتها في الوقت المناسب، فعلى سبيل المثال ثمة تداعيات جمة على قطاعات الثقافة والإعلام والتربية. صحيح ان بعض الاقلام الصحفية والتقارير الاخبارية اشارت في عجالة إلى هذه القطاعات إلا انها لم تحظ بالدراسات الدقيقة والتحليلات التفصيلية لمخاطر الازمة وتداعياتها على غرار ما تم بالنسبة للمجالات الاقتصادية والتعليمية على سبيل المثال. وفى السياق ذاته يكشف المسح المبدئى لأغلب ما كتب عن هذه الازمة وتداعياتها غياب التأثيرات على الابعاد الأمنية بمفهومها الواسع داخليا وخارجيا، وهو ما يستوجب ان يحظى بدراسات مستفيضة من جانب المؤسسات المعنية.
ملخص القول إن تداعيات الازمة متعددة وأبعادها متشابكة وتأثيراتها متنوعة، بما يفرض الحاجة لمزيد من الدراسات والتحليلات في مختلف جوانبها فهما وتخطيطا وتنفيذا.