الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"بخيت".. وطفرة المواليد بسبب كورونا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تأخر"بخيت" حارس العمارة في العودة من بلدته بصعيد مصر بناء على طلب من غالبية السكان هذه المرة، بعد أن أصر قبل شهرين على السفر لحضور عزاء أحد أقاربه؛ الجميع متخوف من أن يكون الرجل قد التقط عدوى الفيروس وسط جموع المعزين كما هي عادات أهلنا في الصعيد الذين لم تغيرهم الإجراءات الاحترازية للحذر من وباء كورونا. وعندما عاد من بلدته كان مهموما شاردا لأن زوجته أصبحت حاملا وحملها الجديد سيلقي بالمزيد من الضغوط على كاهله وهوالمريض بالكٌلى والمسئول بمفرده عن إعالة أربعة أبناء وأمهم بمكافأة شهرية ضئيلة تعتمد على كرم السكان لتسد احتياجاته وقد يترك عمله في أي وقت إذا زاد مرضه وتراجع نشاطه. 
يكرر "بخيت" عبارة "غلطة والله".. بينما كان يتساءل إذا ما كانت وزارة التضامن الاجتماعي بمجرد ولادة طفله الخامس ستوقف الدعم النقدي "تكافل" الذي تتقاضاه زوجته شهريا ويعينها على مصاريف التعليم لثلاثة أبناء في المدرسة وتوفير العلف واللقاح للجاموسة. أماعن مصدر تخوفاته فيشير بخيت إلى إعلان للوزارة شاهده وهو يركب المترو في طريق عودته يقول إن "إثنين كفاية.. والقسمة على 5 وإلا على 2"! 
"بخيت" وغيره كثيرون في قرى ونجوع وبلدات مصر لديهم نفس الهموم بسبب الحمل "غير المقصود" في زمن كورونا، خاصة أن السيدات سيواجهن ظروفا استثنائية في متابعة حملهن وصولا للولادة. 
لم تكن التدوينات التي انتشرت بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي متوقعة زيادة عدد سكان مصر بعد تسعة أشهر من قبيل دعابة المصريين وخفة دمهم فحسب وإنما حملت "الأفيهات" في ثناياها حقيقة أن بقاء الأزواج أطول وقت ممكن إلى جانب زوجاتهم في فترة الحجر المنزلي سيعطي "ثماره" خلال الفترة القادمة! وإذا كانت مصر تشهد مولودا جديدا كل 15 ثانية فإن الطفرة المتوقعة للمواليد كأحد الآثار غير المباشرة لكورونا سيسرع عقارب الساعة!
غير أن الوجه الآخر لهذه الطفرة هو احتياج النساء لخدمات الصحة الإنجابية من توفير وسائل منع الحمل أو متابعة للحمل والولادة التي قد تصبح من الرفاهيات في أوقات الكوارث وفي ظل الضغوط الملقاة على قطاع الصحة والخدمات العلاجية بعد زيادة الحالات المصابة بالفيروس.
كما أن الظروف الحالية قد تدفع إلى تراجع عمل بعض وحدات الرعاية الصحية الموجودة بقرى ومراكز الجمهورية، التي تقدم خدماتها الصحية للمرأة. وهناك تاريخ ليس بالبعيد ألا وهو ثورة يناير يذكرنا بطفرة المواليد اللاحقة على تلك الأحداث.
ولعله من المهم دق ناقوس الخطر بشأن زيادة حالات الحمل "غير المقصود" في مصر في ظل وباء كورونا. وتفهم الأسباب والدوافع وراء هذه الظاهرة من شأنه أن يساعد بلا شك على إيجاد الحلول المناسبة للتصدي العاجل والناجع لها قبل استفحال الظاهرة. فمنذ بدء إجراءات الإغلاق في مارس الماضي والقيود المفروضة على التنقل تمنع النساء من الذهاب لتلقي الخدمات الصحية، كما أن الخوف من التعرض لعدوى الإصابة بالفيروس داخل مكتب الصحة أو الوحدة الصحية أوالمستوصف أو العيادة أو حتى الصيدلية يؤدي إلى توقف النساء عن التزود بوسائل منع الحمل، خاصة إذا كانت بعض المجتمعات مازالت لا ترى في تنظيم الأسرة أمرا ضروريًا!
كما أن بعض خدمات تنظيم الأسرة في الوحدات الصحية قد تكون بالفعل تعطلت خاصة في المناطق الريفية وسط الانشغال المنكب على توفير متطلبات الوضع الصحي الناجم عن الوباء. ويمكن لإغلاق الحدود ووجود اضطراب في إنتاج وتوريد الأدوية من طرف الشركات أن تَحد من الإمدادات المتاحة من وسائل منع الحمل، أو أن يكون الإغلاق قد أثر أيضا على بطء وصول الشحنات وإجراءات الإفراج عليها، إضافة إلى ما تستغرقه من وقت عمليات التحليل والمراقبة الدوائية على مثل تلك الأدوية الهرمونية للتأكد من سلامتها قبل طرحها بالسوق.
كل ما سبق ذكره هي أسباب محتملة لحدوث حالات حمل غير مخطط لها في زمن كورونا وتستوجب تدخل الحكومة لحل أي خلل في هذه الدائرة بدءا من الاستيراد وصولا للمستفيدات. وهي بالمناسبة ظاهرة ليست مصرية فقط وإنما تم تسجيلها في عدد من بلدان العالم "النامي". في الهند مثلا، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية تراجع بها بنسبة 20% مع 14 دولة أخرى آسيوية وأفريقية. وهو ما حدث أيضا في إندونيسيا التي أعلنت 420 ألف حالة حمل "غير مقصود" منذ بدء الجائحة. نفس الشيء بالنسبة لـفليبين أيضا التي نٌشرت فيها تقارير تفيد بأنها مقدمة على طفرة في المواليد. وتوقعت المنظمة أن إجمالي الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة قي عام 2020 يمكن أن تزيد بنسبة تصل إلى 40٪، وستكون النتيجة الآلاف من حالات الحمل غير المقصودة في كل من تلك البلدان الـ14، بما يتضمنه ذلك أيضا من خطر تعرض ملايين النساء والمواليد الجدد لانعكاسات صحية سلبية، بالإضافة إلى تآكل ثمار التنمية أمام الزيادة السكانية.
وفي المقابل على الضفة الأخرى من المتوسط، ألغى 80% من الأشخاص خططهم لإنجاب طفل أثناء أزمة كورونا وفقا لدراسة أجرتها جامعة فلورنسا الإيطالية على عينة من مواطني أوروبا قوامها 944 إمرأة و538 رجلا بين 18-46. فالحجر الصحي لدى هذه الدول لم يشجع قرار الإنجاب والسبب تخوف الأوروبيين من الصعوبات الاقتصادية المستقبلية وعواقب الحمل بسبب أزمة الوباء. 
وفي مصر مازالت قلة الوعي وانتشار عادات وأفكار من قبيل فحولة الرجل التي تقاس بكثرة إنجاب الأطفال ليكونوا "عزوة" ومصدر دخل للأسر الفقيرة تساهم في زيادة المواليد، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة للدولة خلال السنوات الماضية والتي تميزت بتوفر إرادة سياسية حقيقية لتحسين أحوال المرأة من خلال انتشار خدمات الصحة الإنجابية وتسهيل الحصول على وسائل تنظيم النسل في إطار تعزيز الإستراتيجية القومية للسكان التي تهدف إلى خفض معدل الخصوبة إلى 2.4 طفل بحلول 2030. 
ومن أجل دعم هذه الإستراتيجية أيضا أعطى الاتحاد الأوروبي وصندوق الأمم المتحدة للسكان الأولوية لقطاع تنظيم الأسرة في استجابتهما لوباء كورونا حيث قدمت الجهتان معدات حماية شخصية لوزارة الصحة المصرية تضمنت نحو 800 ألف قناع جراحي و20 ألف زجاجة كحول بقيمة 70 ألف يورو لتوزيعها على عيادات تنظيم الأسرة في جميع أنحاء مصر وفقا لبيان مشترك صادر مؤخرا بهذا الشأن. وفي نفس هذا السياق، جاء تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان الصادر أبريل الماضي معبرا عن مخاوف من " أن تقوض جائحة كورونا بشكل كبير التقدم المحرز نحو تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة وهى إنهاء الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة". 
وفي خضم التحديات التي تواجهها وزارة الصحة المصرية حاليا بسبب الجائحة من الضروريالتنبه لأحد آثارها غي المباشرة وهي حالات الحمل "غير المقصودة" نتيجة بقاء الأزواج في المنازل. لذلك لا بد من تكثيف برامج التنظيم الأسري والتحكم في الولادات في الوقت الحالي، مع التركيز خاصة على الصعيد، وهي المنطقة التي تضم المحافظات ذات الأولوية حيث يصل معدل الخصوبة إلى 6 أطفال، وهو المعدل الأعلى على مستوى الجمهورية مقارنة بـ 2.68 وهو المعدل العام وفقا لبيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء لشهر فبراير الماضي. 
ومن الضروري إشراك الرائدات الريفيات في حملات التوعية بضرورة تنظيم الأسرة في ضوء سهولة وصولهن للمستهدفات في منازلهن. كما أن المجتمع المدني لا بد أن يكثف من مجهوداته ويعود بقوة لتسيير قوافل طبية من الجمعيات الأهلية في القرى والنجوع لتقديم خدمات الصحة الإنجابية للمرأة الريفية.