الثلاثاء 08 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

التبرع بـ"بيلازما المتعافين".. مقصد شرعي وضرورة إنسانية.. الأزهر: بيعها محرم.. والإفتاء تطلق مبادرة "ومن أحياها".. والبحوث الإسلامية يرفع شعار "شاركهم ولو بدعوة"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي تعاني فيه وزارة الصحة من ضعف التجاوب بين المتعافين حديثًا من فيروس كورونا المستجد على التبرع ببلازما الدم كنوع أثبت فعالياته في إنقاذ المصابين المهددين بفقدان حياتهم، خرجت المؤسسات الدينية الإسلامية لبيان أهمية هذا التبرع من الناحية الشرعية، من خلال بيان حكم المتبرع ومبادرات للحث على القيام بهذا العمل الإنساني والديني.


التبرع أمرٌ واجبٌ
وأكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن تبرع المُتعافين من كورونا بالبلازما أمرٌ واجبٌ، موضحا أن الامتناعُ عنه بغير عذر لا يجوز شرعًا ويوقع الشخص الممتنع في الإثم.
وقال المركز في فتوى له: في ظلِّ سّعي البشريّة الدؤوب؛ للوصول لعلاج أو لقاح يُنهي أزمةَ جائحة فيروس كورونا، ويخفِّف آلام المُصابين به؛ دعت الأجهزة الطبية المُتعافين من هذا الدّاء للتبرع ببلازما دَمِهِم لمساعدة المُصابين؛ لاسيما الحالات الحرِجة منهم؛ نظرًا لما تحتوي عليه بلازما المُتعافي من أجسام مُضادَّة للفيروس قد تُسهِم بشكل كبير في تحسن تلك الحالات.
وأضاف المركز أن استجابة المُتعافين لهذه الدَّعوة واجبٌ كفائيٌ إنْ حصل ببعضهم الكفاية، وبرئت ذمتهم، وإنْ لم تحصل الكفاية إلَّا بهم جميعًا تعيَّن التَّبرع بالدم على كل واحد منهم وصار في حقِّه واجبًا ما لم يمنعه عذر، وإنْ امتنع الجميع أَثِم الجميع شرعًا؛ وذلك لِمَا في التَّبرع من سعي في إحياء الأنفس.
وأورد أن التبرع بالبلازما للمصابين بفيروس كورونا المستجد نوع من الشَّكر العملي على نعمة العافية بعد البلاء، والشّفاء من عُضال الدّاء.
وأشار إلى أن امتناع المُتعافي عن التَّبرع مع قُدرته يعد شُح نفسٍ، "وضعف يقين، وأَثَرة وأنانية، ولا شك هي أمور مذمومة، مذموم من اتصف بها آثم".
وذكر الأزهر أنه إذ يُبيّن حكم تبرع المُتعافين بالبلازما يهيب بهم جميعًا "أن يتنافسوا في أداء هذه الفريضة ونيل أجرها العظيم".

بيع البلازما حرامٌ شرعًا
كما شدد الأزهر على أن بيع المتعافي من كورونا بلازما دَمِه حرامٌ شرعًا؛ وسلوك لا ينبغي أنْ يتعامل به مريضُ الأمس مع مريضِ اليوم.
وقال: إن العافية هي خير النّعم على الإطلاق بعد الإيمان بالله سُبحانه؛ فعن رفاعة بن رافع قال: قام أبو بكر الصدِّيق على المنبر ثمَّ بكى فقال: قام فينا رسولُ الله ﷺ عامَ الأوَّل على المنبر ثمَّ بكى فقال: «سَلوا اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ، فإنَّ أحدًا لمْ يُعْطَ بعدَ اليَقِينِ خيرًا مِنَ العَافِيَةِ».
وتابع:إن العافية بعد البلاء، والشّفاء من عُضال الدّاء لنعمة فوق نعمة،ومن شكر نعمة العافية بعد الإصابة بفيروس كورونا أن يتبرع المُتعافي ببلازما دمه لمصابٍ؛ كي يخفف ألمه، ويمسح دمعه؛ حِسبةً لله سُبحانه، وحمدًا له، وعملًا بقول سيدنا رسول الله ﷺ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».
أمَّا أنْ يبيع المُتعافي بلازما دمهِ مُستغلًا الجائحة فلا يجوز شرعًا؛ إذ إن جسد الإنسان بما حواه من لحمٍ ودَمٍ ملك للخالق سُبحانه لا ملكًا للعبد، ولا يحق لأحد أن يبيع ما لا يملك.
وأكمل: إنَّ ثمن الدَّم حرام لا يجوز؛ لأن الشيء إذا حُرّم أكله حُرّم بيعه وثمنه، قال سُبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة: 3].
وقال ﷺ: «وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ»،وقد نَهي سيدنا رسول الله ﷺ عن ثمن الدَّم صراحةً فيما يرويه عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ..»، وقال الإمام ابن حجر رحمه الله:(والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير وهو حرام إجماعًا؛ أعني بيع الدم وأخذ ثمنه).
كما شدد الأزهر: لا يجوز قِياس بيع بلازما المُتعافين على بنوك الدّم؛ لأن وجود بنوك الدّم ضروري للتداوي والعلاج، أما بيع المتعافي بلازما دمه فإتجار محرَّم مُتَّفَق على تحريمه.
وأكد أشدُّ منه حُرمةً أن يُتاجِر المُتعافي بآلام الناس فيبالغ في ثمن دمه، ويعقد عليه مزادًا سريًّا أو علنيًّا، وأن يستغل حاجة الناس ومرضهم وفاقتهم؛ فهذه والله لأخس أنواع التجارة وأذمها؛ لمنافتها الدين والمروءة ولين القلب وكرم النفس وشكر النعمة؛ وهي صفات لا تليق بصحيح فضلًا عن أنْ يتعامل بها مريضُ الأمس مع مريضِ اليوم؛ قال الحقُّ سُبحانه في مُحكم تنزيله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 6].


الإفتاء تطلق مبادرة "ومن أحياها" 
وأطلقت الإفتاء المصرية، عبر منصاتها على مواقع السوشيال ميديا وموقعها الإلكتروني ومختلف وسائل الإعلام، مبادرة "ومن أحياها" لحث المتعافين من فيروس كوفيد 19 المستجد "كورونا" على التبرع ببلازما الدم لعلاج المصابين.
وقالت الدار: إن إطلاق مبادرة "ومن أحياها" لحث المتعافين من فيروس كوفيد 19 "كورونا" على التبرع ببلازما الدم لعلاج المصابين يأتي في إطار الدور الحيوي الذي تقوم به دار الإفتاء المصرية في التعريف بموقف الشريعة الإسلامية من المستجدات والنوازل، ومنها فيروس كوفيد 19 المستجد "كورونا"؛ لتحقيق التكاتف والتعاون التام بين أبناء المجتمع، والوقوف معًا في صف الجهود التي تقوم بها الدولة في علاج مصابي فيروس كورونا.
وأضافت الدار أن الهدف من إطلاق هذه المبادرة غرضه علاج المصابين ومن هم في مرحلة الخطورة، ويُعَدُّ من باب المسئولية المجتمعية التي تقع على كاهل المتعافين من فيروس كورونا، ويثاب الشخص على ذلك؛ لأنه ساهم في إنقاذ مريض مصاب بهذا الفيروس أو شارف على الهلاك.
وأوضحت دار الإفتاء أن أخذ "البلازما" من المتعافين للمشاركة في حقن المصابين هو مِن باب إحياء النَّفْسِ الوارد في قوله تعالي: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: 32]، وهو أيضًا مِن باب التضحية والإيثار اللَّذَينِ أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِما، وحَثَّ عليهما في قوله سبحانه: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
إغاثة الملهوفين أهم الضروريات المقاصدية الخمس
وأكدت دار الإفتاء أن علاج المرضى وإنقاذ المصابين وإغاثة الملهوفين والمنكوبين من الواجبات الأساسية؛ لأنها تعد أهم الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف، وهي ضرورة حفظ النفس؛ حيث إنها تدخل دخولًا أساسيًّا في حفظها وحمايتها، مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَي مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَي لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّي).
وأوضحت الدار أن الحاجة لأخذ "بلازما" المتعافين من فيروس كورونا ثابتة وضرورية للمصابين بهذا الفيروس؛ حيث ثبت طِبِّيًّا أنَّ العلاج بـ"البلازما" هو طوق النجاة للمرضى أصحاب الحالات الحرجة الحاملين لهذا الفيروس، لا سيما أنَّه -في سياق الاشتراطات والاحتياطات الطبية- لا يَحْصُل للمأخوذ منه البلازما ضرر أو مضاعفات صحية؛ مما يجعل ذلك واجبًا وطنيًّا، ويدخل في باب الرحمة والتكاتف الذي يثاب عليه فاعله.
"شاركهم ولو بدعوة"
ومن جانبه، أعلن مجمع البحوث الإسلامية عن إطلاق حملة توعوية جديدة بعنوان: "شاركهم ولو بدعوة"، من أجل نشر الوعي المجتمعي والتكاتف مع المرضى وذويهم، حيث تهدف الحملة إلى رفع الروح المعنوية في المجتمع، سواء للمرضى أم الأطباء وفرق التمريض وكل من يعمل في المجال الطبي، ومن تعرض للابتلاء في هذه الأزمة، وذلك في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب – شيخ الأزهر، بتكثيف الحملات التوعوية الإلكترونية في ظل هذه الأزمة التي تحتاج منا التواجد بشكل مستمر والمشاركة المعنوية الفعّالة بما يسهم في تجاوز هذه الأزمة.
وقال د.نظير عيّاد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، إن الحملة تُنفذ من خلال وسائل التواصل الاجتماعية والموقع الإلكتروني الرسمي للمجمع، وتستهدف مكافحة بعض السلوكيات الخاطئة من بعض الأفراد والتي قد تؤذي المرضى وذويهم نفسيًا، الأمر الذي يخالف المنهج النبوي في الأزمات من تكاتف ومؤازرة وإحساس بالآخرين ودعمهم والوقوف بجانبهم.