الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنا وتوفيق الحكيم وأمسية حزينة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل يومين ومن جراء الحظر قررت أن أنفض الثرى عن كتبي، وأُخرجها من سجنها، كنت سعيدا للغاية وأنا أستعيد ذكرى شراء كل كتاب.. وأنا أتصفح أقصوصات الورق القديمة.. ما كتبته ونسيته وما ظل منقوشا بداخلي، انتشيت وبكيت وتندرت على زمن مضى كنت أخط فيه مشاعري على الورق دون تحفظ، استعادت روحي كل المسافات التي قطعتها والأزقة والحواري التي تسكعت فيها.. باكورة ما كتبت وأولويات العسل من المدد والمداد.. أول رشفة ثقافة استرجعت مذاقها.. أول تضفيرة جملة وأول شطر شعر كتبته.. أول حلم وأول جنيهات أخذتها.. زياراتي لشخوص كنت أقف أمام أسمائهم على أغلفة الكتب وأرى الحلم بعيد حتى جالستهم.. كانت أحلامي تداعبني وكنت أضحك لها.. تحقق.. ربما لكني لم أعد أضحك.. لما لم أعد أضحك! أكانت ضحكاتي لها في غير أوانها؟ أم أنها هي التي طرحت في غير أوان طرح الأحلام.
تخيلت أنني أنثر درر على السطور وفي الصفحات وأنه سيأت وقت على أفعل فيه ما كان يفعله العظيم توفيق الحكيم، بعدما وضع محاميه اتفاقا مكتوبا ينص على أن يقوم عنه بتحصيل عشرة قروش لكل كلمة ينطقها أو يكتبها، وفي إحدى اللقاءات الصحفية أخبر "الحكيم"، الصحفي الذي طلب إجراء الحوار معه بشرط العشرة قروش للكلمة، فظن الصحفي أنها دعابة كما يُشاع عن "الحكيم"، وأمام إصرار الأخير سأله الصحفي: وكيف نعد الكلمات التي ستنطق بها يا أستاذنا حتى نحدد ما تستحق من قروش؟ وجاء جواب الحكيم: "بسيطة هتكتب الحوار وهنعد الكلمات وستدفع مقابلها نقود.
حكايات توفيق الحكيم التي صاغ بعضا منها الكاتب الكبير إبراهيم عبد العزيز في كتابه "توفيق الحكيم ضاحكا" بعدما جالسه خلال السنوات الخمس الأخيرة في حياته، جعلتني أُدرك أن هؤلاء لم يكونوا فقط عظماء بأقلامهم ولكن بزمانهم، كان الزمان يُدرك جيدا معنى الكلمة، كانت له أذن تصغى وعين ترى وقلب ينبض مع كل حرف، هؤلاء جاءوا في زمن رواج الكلمة، في زمن كانت فيه توزن بكل حرف فيها دون بخس، لو كان الحكيم هنا الآن ماذا كان سيفعل؟ ماذا كان سيفعل الحكيم بدون رفاقه؟ ماذا كانوا سيفعلون والكلمات باتت كفتاة ليل تضاجع ألسنة المنفلتين والحمقى والمأجورين فتلد سفاحا مئات الحروف التي لا تنتسب لقلم أو شفاه.. حروف لقطاء يتناقلها العابثين على صفحات التواصل الاجتماعي دون نسب لأب ودون تفرقة في المعنى والقصد بين الحكيم وحماره.
ليتني لم أنبش في صندوق الذكريات وأُخرج الكتب من خزانتها، فقد أعادت حزني على التضاد بين ما كان من منزلة وما أصبح مهزلة ل«بنت الضاد».