توقفنا في المقال السابق عند تكريم الرئيس السادات لقادة وأبطال حرب أكتوبر المجيدة، وذلك في فبراير 74 وترقية اللواء حسنى مبارك إلى رتبة الفريق، وهكذا فقد انتهت الحرب واستمر الفريق مبارك في منصبه كقائد للقوات الجوية وكنائب لوزير الحربية، وذلك حتى جاء مساء الخامس عشر من أبريل 75 حيث فوجئ مبارك بمكالمة هاتفية من اللواء فوزى عبدالحافظ مدير مكتب الرئيس السادات يخبره فيها بأن الرئيس سيلقاه غدًا في تمام العاشرة صباحًا باستراحة القناطر، وعلى الفور اجتمع مبارك بكبار مساعديه من قادة القوات الجوية وأخبرهم بأن الرئيس سيسأله حتمًا عن القوات الجوية من حيث الأفراد والمعدات ولذا لا بد من وضع تقرير كامل يشمل كل شىء حتى المسمار الناقص في طائرة تدريب،فعندما يسأل الرئيس لا بد أن يجيب قائد القوات الجوية على كافة الأسئلة، ولهذا طلب مبارك من مساعديه عدم مغادرة مبنى القيادة إلا بعد الانتهاء من وضع هذا التقرير،وسهر مبارك معهم طوال الليل،وفى وقت متأخر من الليل رن هاتف مكتبه مرة أخرى فإذ باللواء فوزى عبدالحافظ يخبره بأن اللقاء مع الرئيس سيكون غير رسمى،وان السادات سيكون مرتديًا لجلبابه الريفى الذى كان يفضل ارتداءه، ولذا فيجب على مبارك ألا يذهب إليه بالبذلة العسكرية وهذا إنما يدل على إحترام الدولة المصرية بكافة مؤسساتها للبذلة العسكرية،وهنا تولدت مشكلة عند مبارك،فقد جاء من بيته صباحًا بالبذلة العسكرية وقام في مكتبه بإرتداء الأفرول"ملابس الميدان"وبالتالى فعليه أن يعود إلى شقته في مصر الجديدة ليرتدى ملابس مدنية ثم يستقل السيارة وصولًا إلى القناطر،حيث كانت طائرة قائد القوات الجوية يومها في ورش الصيانة، وعاد مبارك إلى بيته في السادسة صباحًا في الوقت الذى كان علاء وجمال يستعدان للنزول إلى مدرسة سان جورج الثانوية،ونظر مبارك إلى ولديه نظرة مختلفة في ذلك اليوم، فقد وجدهما قد كبرا فجأة بعيدًا عن عينيه،لم يهنأ بهما كأب،إذ ترك مسئولية البيت بما في ذلك تربيتهما ودراستهما إلى زوجته، بينما خطف منه الزمن أجمل سنوات العمر وهو مابين المعسكرات والتدريب والتخطيط والقتال حتى وصل إلى المكانة التى هو عليها،وكانت الزوجة راضية بقدرها،مؤمنة بأن زوجها يؤدى خدمة جليلة للوطن،واستقل مبارك سيارة قائد القوات الجوية إلى القناطر،وفى الطريق شرد قليلا ومرت حياته أمام عينيه كشريط سينمائى وراح يتساءل: أما آن للمحارب أن يستريح؟ أما آن للأب أن يهنأ بأبنائه قبل أن يتخرجا من الجامعة ويتزوجا ويصبح لكل واحد منهما حياته الخاصة،فهو لم يشبع من رؤيتهما بعد،غيبته المهام الوطنية عنهما،ووصل مبارك إلى قرار بداخله وهو أن يفاتح الرئيس السادات في أمر ترك الخدمة وأن يعمل بأى وظيفة مدنية كرئيس مجلس إدارة شركة مصر للطيران أو كسفير في إحدى المدن الأوربية ولتكن لندن، لأنها حسب تعبير مبارك نفسه – بلد إكسلانسات- وبما أن علاء وجمال يدرسان في مدرسة إنجليزية فالأفضل لهما أن يكملا تعليمهما هناك،وأن يستظل بأسرته الصغيرة بعيدًا عن الضغوط التى كان يعيشها طوال أيام خدمته، وطمئن مبارك نفسه بأن الرئيس السادات يحبه ويقدره ولذا فلن يرفض طلبه، ووصل مبارك في تمام العاشرة، حيث كان السادات يتناول فطوره بداخل إستراحة القناطر،ودعا السادات مبارك ان يقاسمه الطعام..الفطير والعسل والمش،فجلس مبارك على طاولة الرئيس الذى ما إن انتهى من الطعام حتى طلب من ضابط الحراسة ألا يدخل عليهما أحد، وبدأ السادات حديثه لمبارك متسائلًا:انت عارف يا حسنى زى الأيام دى سنة 1805 كان فيه إيه بيحصل في البلد؟ وسكت مبارك ليستطرد السادات: كانت فيه ثورة ضد الوالى العثمانى خورشيد باشا،وبدأ السادات يحكى لمبارك ماحدث لمصر منذ أيام محمد على،حكى له تاريخ مصر باليوم والساعة، فقد كان السادات مثقفًا، عاشقًا للتاريخ وظل مبارك يستمع وبين اللحظة والأخرى يسترق النظر إلى ساعته فيجد أن الساعات تمر والرئيس يسترسل في حكايته الطويلة للتاريخ،وهاقد وصل إلى ثورة يوليو ثم إلى مرحلة عبدالناصر وفى الثالثة عصرًا كان السادات قد وصل في حديثه عن نصر أكتوبر وعن الإنجاز الذى حققته القوات المسلحة،وأردف السادات قائلًا: "وعشان كده يا حسنى أنا شايف إن الشرعية القادمة هى شرعية أكتوبر لأن شرعية يوليو انتهت بيا، وعشان كده اللى هايقود مصر في المرحلة الجايه لازم يكون ابن من أبناء أكتوبر ودا اللى خلانى أجيبك النهاردة عشان أبلغك انى اخترتك تكون نائب لرئيس الجمهورية"..سكت مبارك لحظة استوعب فيها هول المفاجأة ثم قال بالحرف الواحد "يافندم انا جندى من جنود الوطن وإذا ترآى للقيادة السياسية ان تضعنى في أى مكان فأرجو أن أكون على قدر هذه المسئولية" فقال السادات: على بركة الله.. قوم روح وبالليل نتقابل في بيت الجيزة أكون جبت التليفزيون عشان يصوروا حلف اليمين..وهكذا أصبح مبارك نائبًا لرئيس الجمهورية وللحديث بقية.
آراء حرة
«مبارك» فصل من التاريخ «15»
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق