الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

وكم لله من لطف خفي!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحمل لنا الحياة الكثير من الأحداث التى لا ندرك حكمة الله فيها، سواء كانت سعيدة وتثلج الصدور.. أم لا قدر الله تجلب الحزن والشقاء، وتصيب النفس بالمواجع والآهات.. وأحيانا تمر أمام أعيننا مواقف وأحداث للآخرين، تقوينا على تحمل صعوبات الدنيا.. ونزداد إيمانًا ويقينًا بقول الحق سبحانه وتعالى: «وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».. فإدراك الحكمة أو عدم إدراكها، لا يقلل من الإيمان بأن ما كتبه الله هو الخير.. وأن الاختبار هو القدرة على الصبر، وحمد الله وشكره فى السراء والضراء.. وأصعب الابتلاءات حين تأتى فى الأبناء.. قرة العين التى نفضلها على أنفسنا ونفتديها بها.. والذين ننتظرهم بلهفة، لنحتضنهم ونتمتع بملامحهم، ويصبحون هم محور الحياة.. وأقسى الوجع، حين يأتى هذا الأمل الوليد معاق، فتتبدل مشاعر الفرحة لقهر وخوف وشفقة.. وقد ينتاب البعض حالة من الإنكار، أو الخجل من المجتمع.. ويتغافلون أن الأصحاء قد يتحولون لمعاقين بفعل حوادث الزمن!.. وهناك العديد من الأسر التى تقابل هذا الاختبار بصبر وصلابة، ويصبح هؤلاء الأطفال بلسم الحياة لذويهم.. فهم ملائكة يحيون بيننا.. وقد شاهدت عن قرب حكاية لزوجين من عائلات ميسورة، أنجبا طفلا جميلا.. ومع مرور الأيام، لاحظوا عدم استجابته للأشياء كمن فى مثل عمره.. واكتشفوا أنه أصيب أثناء الولادة بضمور فى المخ والوظائف الحركية.. ظل الابن يكبر فى العمر والطول، ولكن دون قدرة على أى فعل أو حركة.. فقط يبتسم أحيانا، أو يبدو على ملامحه الضيق.. رضيا الزوجين بقضاء الله وقدره، ولكن كان الحمل كله على الزوجة.. أما الزوج فكان ككثير من الرجال، يقضى أكثر وقته خارج المنزل وكأنه يهرب من مواجهة الواقع.. ولكنه كان محبا وحنونا لزوجته وابنه.. والغريب أن أهل الزوج تعاملوا وكأنه ذنب الزوجة!.. فكانوا يعاملونها بتعال وقسوة، وكأنها أصبحت أقل منهم.. بل كانوا يطالبون ابنهم أمامها بالزواج بأخرى!.. وكعادتها تحملت بصبر ورضا، حتى مَنّ الله عليهما بابنة طبيعية.. كانت كلما كبرت تمنحهما الفرحة والطمأنينة.. وأصبحت عوضا للأب والأم بجمالها وذكائها، وحنانها على شقيقها المعاق، الذى ظل طعامه كالرضيع لأكثر من 30 عاما.. وينمو بنحافة بالغة.. ولكنه بالطبع كان حملا ثقيلا على الأم الصابرة المحتسبة، التى تحمله من مكان لآخر، وتطعمه وتسقيه كأى رضيع.. ورغم العبء الكبير عليها، كان ابنها المعاق هو نور عينيها، وبركة حياتها.. حتى مرض بشدة، وأبلغها الأطباء أنه على وشك الوفاة.. فكانت تبكى وتقبله وتحتضنه بقوة، وتدعو الله أن ينجيه من أجلها.. فهى لا تتخيل حياتها بدونه، ومع ذلك لم تفقد تسليمها بقضاء الله.. أما الأب فكان أكثر عقلانية وتقبلا للأمر، وبدأ يفكر فى مكان دفن ابنه، حيث أراد دفنه فى بلدته.. وعارضت الزوجة التى أرادته فى القاهرة، ليظل بجوارها تزوره وقتما شاءت..ولكن حسم الله الأمر بما لم يتوقعه أحد!.. فقد صعدت روح الأب إلى بارئها بشكل مفاجئ، وهو فى كامل الصحة والقوة!!.. كانت الصدمة شديدة للجميع، فالكل كان يتوقع وفاة الابن المعاق خلال ساعات، ولم يتخيل أحد أن يموت الأب قبله!.. وكان قلب الأم الموجوع على الابن، لا يتحمل مزيدا من الألم، فقد كان زوجها هو حب عمرها الذى غمرها بحبه وحنانه.. ولكن كانت الصدمة الأكبر حين اكتشفت أنه كان قد تزوج عليها قبل وفاته بشهور!!.. حيث نشر أشقاء زوجها فى نعيه اسم زوجتيه!!.. ولنا أن نشعر بهول الصدمة، وحجم الألم والقهر والحزن!.. ولم تمر ساعات حتى توفى الابن الملاك، الذى لم يتخيل أحد أنه لم يكن فقط مجرد اختبار لذويه، بل كان له دور ورسالة، جاء ليؤديها ثم يرحل فى سلام.. فقد أراد الله تعالى أن يموت الأب أولا، كى يرثه الابن ويحفظ حقوق أمه وشقيقته، والتى كانت ستضيع بين أشقاء والده، فلا ينوبهم منها إلا القليل!!.. وكان نصيب الزوجة الصابرة التى كافحت معه لسنوات طويلة، سيتساوى مع نصيب الزوجة الجديدة التى قبلت أن تعيش معه فى الخفاء لشهور قبل وفاته.. فاتضحت حكمة الله، وورثت الأم وابنتها ميراث الابن، والذى لم تتخيل الأم يوما أن يكون درعها الذى يحميها ويغنيها، وهو من ليس له حول ولا قوة، ولا يملك من أمر نفسه شيئا!.. ربما كشف الله لها ولنا حكمته تعالى فى ذلك، ولكن كم من أمور تحدث حولنا دون أن نعرف أو نفهم أسبابها.. وكما قال الإمام على بن أبى طالب: «وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ.. يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ»!.