أنهى الرئيس عبدالفتاح السيسى السنة السادسة من رئاسته بإطلاق مبادرة إقليمية لحل الأزمة الليبية، بالإعلان من عاصمة العروبة عن "إعلان القاهرة"، ليضع كل الأطراف الليبية والإقليمية والعالمية أمام مسئوليتها تجاه واحدة من أهم القضايا الشائكة فى المنطقة، وربما العالم، ولوقف حالة السيولة فى الحلول، وحفظ الأرض المفتوحة والشاسعة فى ليبيا، أمام أطماع عديدة، ومنها تركيا، ودول أخرى.
ولا شك أن ليبيا هى الامتداد الاستراتيجى لمصر، وامتداد الأمن القومى للبلاد، فأى خلل فى هذا البلد يؤثر بالسلب على مصر، ومن هنا فمن حق القاهرة أن تدافع عن أمنها القومى حال تعرضه لأى مخاطر، ومن حق مصر التصدى لأى طامع فى ليبيا، فحق الجوار مهم، بينما حق الحفاظ على أمن مصر أهم وأهم من كل شيء.
تفاصيل "إعلان القاهرة" تؤكد أن المبادرة المصرية راعت كل ما جاء فى المبادارت الدولية المماثلة خصوصا بنود "مؤتمر برلين"، وخاصة ما يتعلق باتخاذ مواقف تجاه التدخل والأطماع التركية فى الأراضى اللبيية، وضرورة أن يقوم المجتمع الدولى بدوره فى مواجهة كل الأطماع التركية، بوضع حد لسياسات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ونظامه فى ليبيا، والتى لا مبرر لها، سوى أطماعه فى البترول الليبى، وغاز المتوسط، والاقتراب من مصر، التى قطعت عليه كل أطماعه، بعزل الإخوان عن الحكم قبل سبع سنوات.
المتابعون والمراقبون يرون فى مبادرة القاهرة، أنها تملك عناصر النجاح، لتضع خارطة جديدة لحل الأزمة الليبية، نظرًا لما تحمله من عناصر تتوافق مع مختلف الرؤى الدولية، مما يعطيها فرصًا أعلى للنجاح.
وإذا ما نظرنا لإعلان القاهرة، سنجد أهم ما فيه أنه يستهدف إنهاء الصراع فى ليبيا بشكل سلمى، حفاظًا على الدم الليبى، والأراضى الليبية، مع احترام كل الجهود الدولية وإعلان وقف إطلاق النار فى ليبيا، ولمزيد من الجدية لقد التزمت المبادرة بوقف لإطلاق النار من السادسة صباح أمس الاثنين.
وتحمل المبادرة رؤية وطنية بالتأكيد على وحدة وسلامة الأراضى الليبية واستقلالها واحترام كل الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن، وهو ما أكده الرئيس السيسى، بأن المبادرة تهدف لتمثيل عادل لكل أقاليم ليبيا الثلاثة لإدارة الحكم، مع إلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من ليبيا وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، مع اعتماد إعلان دستورى ينظم استحقاقات المرحلة المقبلة فى ليبيا.
ونظرا لخطورة الأوضاع فى ليبيا فقد حذر الرئيس من الوضع الراهن فى ليبيا، ومن مخاطر امتداد تداعيات الأزمة إلى دول الجوار الليبى والإقليم، والقلق من ممارسات بعض الأطراف على الساحة الليبية، وإصرار أى طرف على البحث عن حل عسكرى للأزمة الليبية.
شمولية "إعلان القاهرة" كما جاء فى بنود المبادرة الـ14، تؤرخ لمرحلة جديدة، من المهم أن يعيها كل الأطراف، فى الداخل المحلى الليبى، وفى المنطقة والدول العربية والأجنبية، وكل الأطراف الدولية، وهو ما أكدته ورحبت به دول مختلفة.
وليس غريبا أن تخرج حكومة "الوفاق الليبية"، وبشكل عاجل وقبل أن يجف حبر المبادرة، وتعلن رفضها القاطع لـ"إعلان القاهرة"، وفقا لما قاله رئيس المجلس الأعلى للدولة فى حكومة الوفاق الليبية، خالد المشرى فى تصريحات لقناة "الجزيرة" القطرية، قائلا "نرفض أى مبادرة لا تقوم على الاتفاق السياسى الليبي"!!.
وهذا الرد متوقع من "حكومة الوفاق" التى لا يعنيها سوى تنفيذ إملاءات السلطان العثمانلى الحالم، فى أنقرة، والرضوخ لكل الضغوط التركية، كما أن الرفض السريع، يؤكد أن قرار الوفاق ليس ليبيًا، وإنما "تركيًا أردوغانيًا"، ولا يعنيهم ما يعانيه الشعب اللبيى من آلام، وأزمات، وضحايا كل يوم، على يد مرتزقة ميليشيات السلطان العثمانلى، والذى سيأتى يوما ويعتصر دماء واقتصاد الليبيين، أنفسهم إذ ما أتيحت له الفرصة ذات يوم.
القضية برمتها أمام الأطراف اليبية فقط صاحبة المصلحة فى هذه المرحلة الدقيقة من الصراع فى تاريخ ليبيا، والتى من المهم، وعلى كل الأطراف أن تبعتد عن أرض الصراع، ويبتعد الطامعون، لتبقى ليبيا لليبيين، وليس لأى طرف طامع فى ثروات البلاد، ونتمنى أن يعى الفرقاء جميعا والمارقون منهم بصفة خاصة، أن يدركوا مصالحهم ومصالح شعب عانى طويلا من دماء سالت فى كل الشوارع، وثروات مهدرة، أو منهوبة لحفنة من الخونة.
وبمباردة "مصر السيسي" فى نهاية عامها السادس، لحقن الدماء الليبية، ننتظر مبادرة لقضية وطنية إقليمية أخرى، تتعلق بمياه النيل، وأزمة سد النهضة.