الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عام الفوضى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أحد يستطيع أن ينكر الأثر الذي حققه فيروس كوفيد 19 على المستوى السياسي والاجتماعي والصحي ومعها المستوى الأمني أيضًا، ولعل ما أحدثه أمنيًا هو الأخطر بين عدد من التحديات هي الأصعب على العالم.
كما حقق فيروس كورونا تباعدًا اجتماعيًا بين البشر بسبب العدوى وحقق نفس الشيء على مستوى الدول التي تضررت بشكل كبير والتي كانت تظن أن التحالفات السياسية والاقتصادية التي دخلت فيها سوف تنقذها إلا أن الواقع أثبت خلاف ذلك، ورغم ما حققه التباعد من عزل على مستوى الأفراد وامتد فيما بعد على مستوى الدول كما نفهم من الخلافات التي نشأت على خلفية ظهور الفيروس القاتل، إلا أن الخطر الأكبر يبقى في الفوضى التي حققها الفيروس على المستوى الأمني.
انتشار فيروس كورونا حقق فوضى على المستوى الأمني في العديد من عواصم العالم العربية وغير العربية، وقد يحقق هذه الفوضى بشكل أكبر ربما خلال النصف الثاني من العام الحالي؛ فأي عزل وتباعد اجتماعي يؤثر على الأمن ولا بد أن يتبعه فوضى، وهو ما تحقق بشكل مصغر ولكنه مرشح للاستمرار والزيادة.
القاعدة الأمنية التي نقرأ من خلالها الفوضى مبنية على نظريتين إحداهما ترتبط بفهمنا للتنظيمات المتطرفة وطريقة عملها واستغلالها للأحداث السياسية، والنظرية الثانية ترتبط بأن أي تباعد اجتماعي يؤثر حتمًا في فكرة الأمن، مع العلم أن أجهزة أمن العالم مشغولة في مواجهة الفيروس أصلًا.
لا شك أن الجهود العربية والدولية أتت بنتائج على مستوى مواجهة الإرهاب سواء المحلي أو الدولي، وربما انشغال الحكومات وأجهزة الأمن بمواجهة فيروس كورونا وما خلفه سوف يؤثر في زيادة وتيرة الإرهاب المعولم، وقد يستغل هؤلاء المتطرفين هذه الحالة في تجنيد شبكات أكبر والاستعداد لتنفيذ عمليات إرهابية ربما لا تبقي ولا تذر.
التيارات المتطرفة عندما تريد تنفيذ عمليات إرهابية أو احتلال منطقة ما، كما حدث في الرقة والموصل على سبيل المثال، فإنها تستدعي حالة الفوضى أو تصنعها من أجل أن تمارس نشاطها الإرهابي، وغالبًا ما يرتبط هذا النشاط بهذه الحالة.
أما وأن فيروس كورونا حقق هذه الحالة بهذه الصورة التي نحن عليها فطبيعي يستخدمها من أجل ممارسة إرهابه، وهذا لا يدخل ضمن التوقعات فقط وإنما ضمن الواقع الذي نعيشه مثلًا في منطقة البادية في العراق وبعض العمليات النوعية التي قام التنظيم بتنفيذها خلال الأسابيع القليلة الماضية، الأمر على يقتصر على العراق فقط وإنما المشهد في ليبيا يؤكد هذه الحالة بصورة كبيرة، وفي مصر أيضًا، ولعل تفكيك إحدى خلايا هذه التنظيمات في 15 أبريل الماضى في منطقة الأميرية شرق القاهرة خير دليل، حيث حاولت هذه الخلية تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية تزامنًا مع أعياد المسيحيين.
ما نريد أن نقوله إن الخطر لا يتمثل فقط في انتشار فيروس كورونا ولا في الآثار الاقتصادية والسياسية التي يخلفها هذا الفيروس القاتل وإنما في الوضع الأمني، وأعتقد أن العالم سوف يتأثر بانتشار هذا الفيروس خلال العام القادم 2021، كما سوف تظهر بوادر هذا التأثير في نهايات العام الحالي، فالأمر ليس مجرد مزحة ولن يكون تأثيره طفيفًا وإنما سوف يمثل هزة حقيقية لكل الجهود المبذولة في مواجهة الإرهاب.
قراءتنا للتنظيمات المتطرفة من واقع فهمنا لها وآليات العمل بداخلها والأدوات التي تستخدمها وفهمنا لمنهج التفكير الذي يحكم هذه التنظيمات، فهذه التنظيمات تعيش على اقتناص الفرص وتلعب على فكرة التناقضات التي تحكم المشهد السياسي والاجتماعي في العالم، وما تحققه من نجاح، إن جاز أن نقول ذلك، يمكن أن نضعه في هذا السياق ليس أكثر أو أقل، هذه التنظيمات ضعيفة ولكنها تبني قوتها على ضعفنا أو ربما على هذه التناقضات التي تميز المشهد السياسي.
عام الفوضى قادم لا محالة وعلى المجتمع الدولي أن يكون مهيئًا لهذه الفوضى وأن يتصدى لها وعلى أجهزة الأمن أن تراقب الداعين إلى هذه الفوضى أو الذين يحاولون استغلالها للوقوف أمام مخططاتهم، كما لا بد من تنسيق على مستوى أكبر بين كل دول العالم لمواجهة مخلفات الفيروس وأن تنتبه هذه الدول لضرورة مواجهة كافة الفيروسات والأوبئة سواء الصحية أو البشرية التي تمثلها جماعات العنف والتطرف.
وهنا يبدو الأمر مهمًا في ضرورة الدعوة لمؤتمر دولي يُدعي إليه كل ذوي الشأن من خبراء الأمن وخبراء الحركات المتطرفة والقيادات السياسية من أجل الاستعداد للتداعيات الأمنية التي خلفها الفيروس، فعلى العالم أن يستعد لها كما سبق واستعد أو ما زال يعد عدته لمواجهة التداعيات السياسية والاقتصادية.