لما كنا صغيرين في سن الطفولة عام 1967 خرجنا للشوارع في السويس في الأيام الاولي لشهر يونيو نحي جنودنا المصريين فوق الدبابات والمدافع والعربات المدرعة حاملين أسلحتهم الشخصية إلى سيناء عن طريق معبر منطقة الجناين من أجل الحرب والانتصار على إسرائيل.
حيث خرج الرجال والنساء والشباب والشيوخ ونحن الأطفال في فرحة كبيرة تحملها الثقة في الانتصار على العدو الإسرائيلي.
وبلغت حماسة الشباب إلى الكتابة بألوان البويه الزرقاء والسوداء على حوائط منازلنا بحي الأربعين عبارات "النصر والويل للمعتدين" و"يا قائدنا يا حبيب بكره ندخل تل أبيب" كان ذلك مع الأناشيد الحماسية والبيانات الرسمية الذي كان تذاع من الراديو.
بعدها بأيام كانت الصدمة والصورة العكسية حيث رجع بعض الجنود المصريين إلى السويس مصابين وفي حالة إعياء وإرهاق وتعب مع انكسار.
وهنا تجلت روح الشعب المصري في السويس حيث فتحت البيوت والمطاعم والمحلات والمقاهي لاستقبال جنودنا العائدين حيث تقديم الطعام والدواء وبعض الملابس في صورة تلقائية حانية من أبناء السويس والذي جادوا بما يملكون في استقبال أبنائهم من القوات المسلحة.
وسجلت السويس ملحمة رائعة ووطنية بإعلان واقعي معنوي ضد الهزيمة وكانت الوقفة الاولي للإعلان عن رفض الهزيمة.
وهنا سجل الشاعر فؤاد قاعود اللقطة الوطنية لشعب السويس في ابهي قصائده العميقة بعنوان "الشعب" قال فيها:
لما رجع جيش البلد م الحرب
ميل على صدر السويس ضمته
طلعوا الرجال والنسوه والأطفال
واتفتحت كل البيوت في الحال
وفي الشدايد القلوب تشتد
ولا صاحب المطعم رضي ياخد فلوس من حد
وصاحب الكناتين
لجل الشرف والدين
بحتر سجايره وهبه للتدخين
بقلب راضي والدموع سيله
وقال لهم الهمة يا رجاله
وكل شدة تهون
وكل شعب يكون على ده الحاله
النصر له مضمون.
كما خرجت السويس عن بكرة أبيها مثل كل المدن والقرى المصرية، ترفض الهزيمة يومي 9 – 10 يونيو تعلن رفضها للاستقالة التى تقدم بها الرئيس جمال عبد الناصر بإعلان مسئوليته عن الهزيمة.
بعدها كتب الأبنودي رائعته:
يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي
استشهد تحتك وتعيشي انتي
تلك الأغنية التى غناها محمد حمام وأصبحت نشيدًا لأبناء السويس والوطن.
كما أكد الكابتن غزالي ابن السويس إعلانه برفض الهزيمة بأغنيته الشهيرة:
فات الكتير يا بلدنا مابقاش إلا القليل
وإن كان على الأرض هنحميها
وإن كان على بيوتنا هنبنيها
وعضم إخواتنا نلمه نلمه
نسنه نسنه نعمل منه مدافع وندافع
ونجيب النصر هديه لمصر
ومن خلال فرقة أولاد الأرض انطلقت أغاني المقاومة الشعبية وكان أعضاء الفرقة يلبسون الكاكي "ملابس القوات المسلحة".
ودفعت السويس الثمن وفاتورة الصمود حينما تم تدمير 80 % من البيوت والمنازل وفقًا لتقدير لجنة حصر الخسائر، وقد أكد ذلك الرئيس السادات حينما شاهد السويس المدمرة من طائرته الخاصة بعد حرب نصر أكتوبر ووصفها بأنها مدينة "الأشباح" بسبب حجم التدمير.
ولقد خرجت من السويس أفضل الصفحات الوطنية، حيث استمر كفاحها من هزيمة يونيو مرورا بحرب الاستنزاف بصفحات ناصعة من المقاومة الشعبية التى تجلت بهزيمة العدو أمام منطقة المثلث والأربعين وحواري السويس وشوارعها بتدمير دبابات العدو وإلحاق الهزائم به ورفض كسر انتصارات أكتوبر بمحاولة خبيثة لاحتلال السويس لكسر إرادة الشعب والجيش المصري، حيث كانت الخطة الإسرائيلية احتلال السويس لتكون مثل الجولان في سوريا ولكن هيهات.
واليوم ونحن نستلهم من هزيمة 5 يونيو 1967 وبمرور 53 عامًا على تلك البطولات فان السويس وشعبها يتطلع إلى المشاريع التنموية المستحقة لها منها:
• مشروع إنشاء مطار السويس الدولي
• إنشاء ترسانة رأس الأدبية
• إنشاء مدينة السويس الجديدة في سيناء شرق السويس
• تشغيل ميناء بورتوفيق المعطل للركاب
• مواجهة مشكلات البطالة التى يعاني منها شبابها
• تطهير وتطوير منطقة عيون موسي سياحيًا
• إنشاء متحف السويس الوطني وصمود السويس ضد العدو الإسرائيلي ليكون الذاكرة الخصبة لكل أبناء الوطن.
والسويس أخيرًا تحتاج إلى فيلم سينمائي مثل فيلم "الممر" ومسلسل "الاختيار"، ومن قبل فيلم "اغنية على الممر" ليسجل البطولة الجماعية لشعب السويس البطل، ومن أجل إحياء الذاكرة الوطنية وازدهار الانتماء الوطني ومن 5 يونيو الهزيمة قد ولد الانتصار للشعب المصري.