الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الحنين إلى الماضى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما سر الانجذاب إلى مشاهدة الأعمال الفنية القديمة؟ هل هو الحنين إلى الماضي (Nostalgia) الذي نعايشه ونحن نشاهد القديم، أم هو تأثير الزمن (The time effect) والذي يُبْقِي فقط على الأعمال الجيدة، ويلغي الأقل جودة من الذاكرة، أم أن الأعمال القديمة كانت أكثر جودة وأعمق تأثيرا من الأعمال الحديثة؟

كان الحظر الجزئي الذي عايشناه خلال الأشهر الماضية بسبب جائحة كوفيد-١٩ فرصة لمشاهدة التليفزيون لساعات أطول من أي فترة مضت، ومع وجود أكثر من ٦٠٠ قناة تليفزيونية للمشاهدة، وجدت نفسي أتجول بين القنوات المصرية والعربية والعالمية، وأتوقف في معظم الأحيان أمام القديم الذي شاهدته عدة مرات من قبل.

وفي محاولة لتفسير انجذابي إلى القديم، رغم أنني شاهدته عدة مرات، وعزوفي عن الجديد، رغم أنني لم أشاهده من قبل، تيقنت أن هناك أسبابًا كثيرة أدت إلى الحنين إلى القديم. وحاولت في نهاية أسبوع العيد أن أسترجع ماشاهدته خلال شهر رمضان وأسبوع العيد، وقمت بتقسيمه إلى مرحلتين، حسب تاريخ إنتاج العمل الفني، كل مرحلة لمدة ٣٠ سنة. المرحلة الأولي من ١٩٦٠-١٩٩٠، والثانية من ١٩٩١-وحتي الآن. ووجدت بصفة عامة أنني قد شاهدت الأعمال التي تم إنتاجها في الحقبة الاقدم (من ١٩٦٠-١٩٩٠) بنسبة أكبر من تلك التي شاهدتها في الحقبة الأحدث (أكثر من ٥٠٪، من الوقت الكلي للمشاهدة). كانت الأفضلية لمشاهدة الأعمال القديمة متكررة مع البرامج والفوازير والأغاني والمسلسلات والمسرحيات والأفلام.

وفي محاولة لإيجاد الأسباب التي تجذبني إلى البحث عن القديم، خاصة مسرحيات الأبيض والأسود (مسرحيات فؤاد المهندس ومدبولي والثلاثي)، أو المسلسلات القديمة (مثل ليالي الحلمية ورأفت الهجان)، والأفلام القديمة (مثل الأرض ورد قلبي والناصر صلاح الدين والأيدي الناعمة ولا أنام والثلاثية)، وهل كانت الأسباب هي أداء الممثلين، أم الإخراج، أم القصة والرواية. وفي حالة تكرار مشاهدة أعمال لنفس الفنانين، مثل أعمال الفنانين الذين تواجدوا على الساحة لفترة طويلة من أمثال فاتن حمامة أو عادل إمام أو محمد صبحي أو أحمد زكي، وجدت أن عامل الجذب الأول للعمل كان المؤلف والفكرة التي يناقشها العمل الفني. بمعني آخر، وعلي الاقل لأبناء جيلي، وجدت أنه حدث تناقص تدريجي في معدل الروايات الأدبية والأفكار الجيدة التي قدمها الكتاب والفنانون المصريون خلال الستين سنة الماضية.

وعند الرغبة في الاستماع إلى الأغاني، لم أجد سوي أغاني أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحمد عبدالوهاب، وهي الأغاني التي مر عليها أكثر من ٣٠ سنة، وهي انعكاس لحالة الطرب الأصيل في الوطن العربي، والذي توقف منذ رحيل جيل العمالقة بوفاة الموسيقار محمد عبدالوهاب في سنة ١٩٩١. واعترافا بالحقيقة، فقد اختلف جيل الآباء والأجداد مع جيل الأبناء في تذوق الغناء والطرب. فقد فَضًلَ الأبناء الاستماع إلى الأغاني الحديثة والقصيرة، وهذا معناه أن هناك اختلافًا واضحًا في تذوق الفن بين الأجيال.

أما عن مسلسلات شهر رمضان، فلم أجد مايجذب انتباهي سوي مسلسل الاختيار، واللافت للنظر أن المسلسل قد نال إعجاب كل أفراد الأسرة (الأجداد والآباء والأبناء)، وأيضا لنفس الأسباب، وهي جودة المؤلف وبراعة الإخراج ثم إجادة الممثلين بالتتابع. ربما أكون وأنا في منتصف العقد السادس من العمر، من النوع الذي يعيش في الماضي، وربما أكون بعيدًا عن مواكبة الأجيال الجديدة، التي تستهويها الأفكار البسيطة والأعمال الخفيفة والموسيقي الراقصة، ولكنني أظن أن هناك اتفاقًا بين الأجيال الثلاثة (الأجداد والآباء والأبناء) أن هناك شبه إجماع على أننا بصفة عامة نعاني من فقر في الفكر الراقي والكتابة العميقة والأعمال الفنية الجيدة، رغم الاعتراف بأن هناك بعض الأعمال الجيدة التي حدثت خلال الأعوام القليلة الماضية.