كان العرب قديمًا يعاقبون أبناءهم بعقوبات تصل للقتل إذا صرح أي منهم بأنه جبان أو يخاف من بعض الأشياء الحياتية، وليس الخوف من الحرب أو الأمور القاتلة. لعل هذا الأمر امتد عبر الثقافة العربية لقرون عديدة. حتى صار الكل شجعانًا في كتب تاريخ القبائل العربية إذا لم يتعرضوا لاختبار شجاعة فعلي حقيقي، ولعلهم بالفعل كانوا شجانًا لكن لا دليل على ذلك.
ظهر في فترة الوباء التي نعيشها الآن مصطلح مختلف عن تلك الفكرة إلى حد ما وهو "الخوف الشجاع". ويشير هذا المصطلح إلى أنك يجب أن تكون شجاعًا في خوفك، خائفًا في شجاعة. بمعنى أن تتخذ كافة الإجراءات الاحترازية في خوف ثم تبدأ في عيش تفاصيل حياتك في شجاعة. هكذا لن تخسر المتع المتاحة في حياتك والتي مازالت كثيرة وإن تحول بعضها لمتع افتراضية عن بعد، أو محدودة بنطاق جغرافي محدود قد يصل لحدود الشقة التي تعيش فيها، أو حنى في الغرفة التي تعيش فيها.
وانطلق المتخصصون في التأكيد على التوصيات التي تقضي على التوتر من ظروف الوباء، والتي كانوا ينادون بها منذ فترة طويلة، إلا أن اتجاه العالم للدخول في مرحلة التعايش مع الوباء، زايد من أهمية التأكيد على هذا التوصيات التي تحقق لك الخوف الشجاع. قرر العالم أن يتعايش مع الوباء على أثر قرار اتخذه الوباء وهو التعايش مع البشر فترة أطول. لا أحد يعلم ماذا يحمل الغد، وهو أمر يجعلك قادرًا على التفاؤل إذ لا توجد لديك معلومات سيئة تمامًا عن الغد كما لا توجد لديك معلومات جيدة تمامًا عن الغد. يمكنك أن تختار الصف الذي تريد الانضمام له.
وحين لجأ المتخصصون لتناول الخوف الشجاع بدءوا أولًا بتصنيف هذا الخوف، ورأى بعض منهم أن الخوف الحالي من الوباء ينتمي لما يُسمى بـ"الخوف السائل" الذي يعرفه زيجموند باومان، في كتابه المعنون بـ"الخوف السائل"، بأنه هو الحالة التي تتحول فيها المخاوف إلى ما يشبه الحالة السائلة، بل أقرب إلى الحالة الغازية، حيث يتسرب الخوف، ويسيل وينتشر حولنا في كل مكان، وفي ظل كل هذا الخوف السائل من كل شيء، والذي يستبيح كل شيء، يشعر الفرد بأن مواجهة التهديدات والمخاطر مهمته هو.
ولد الإنسان في صراع مع الخوف، وهو يحاول منذ البداية أن يتغلب على هذا الخوف، ومن التوصيات التي أوصانا تامتخصصون كي لا نقع فريسة لهذا الرعب الحالي، أن نخرج من شرنقته، وألا تقتصر حياتنا على متابعة أخباره التي لا تنذر إلا بالكثير من السيئ لأن الإعلام يهتم بذلك أكثر نظرًا لأنه يجده في الواقع.يجب أن تمتد الحياة لتفاصيل أخرى بسيطة لكنها مبهجة. فهناك مصطلح نفسي "التعويض" يركزون عليه الآن، ويعني التعويض ببساطة أن يبدل الإنسان رغبة برغبة أخرى أو سلوكًا بسلوك آخر، بحيث يصل إلى بعض التوازن مع نفسه، فمثًا قد تكون معتادًا على السفر والانطلاق لكنك الآن عاجز عن ذلك، يمكنك أن تفكر في البديل الذي لجأ له معظم من يماثلونك وهو الموسيقى ثم القراءة في مواضيع كثيرة وليس موضوعًا واحدًا ليس منها جميعًا ما يربطك بالخوف الحالي. لجأ المتخصصون للتعويض في حالات إدمان التدخين والكحول، بما فيها من أعراض جسدية وليس فقط أعراض نفسيه ونجح لدى نسبة ليست بالقليلة من الحالات.
يوصي البعض أيضًا بالتوجه للتكاتف البشري، فلطالما أحس البشر أنه لا توجد نجاة فردية من أي شر، والإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لا يثق بوحدته حتى لو لم يمتلك سواها في نجاة جماعية، لذا يوصون بالقرب من الأسرة وتبادل أحاديث طويلة عن أمور مختلفة، أو اللعب معًا ألعاب تحرك فيك الخيال والسعادة والتنافس حتى لو كان اللعب عن بعد، أو ممارسة الرياضة عن بعد عبر برامج البث المباشر للفيديو. فهذه كلها أنشطة تخرج بك من شرنقة الخوف إلى الأمل الذي ينتقل إليك لا إراديًا من مجرد توقع الأفضل ولو على المدى القصير، أو اكتساب متعة يتحقق بالفعل ولو كانت متعة قصيرة الأجل. يتحقق لديك حينها الخوف الشجاع وأنت تحارب بشهية مفتوحة على الحياة، لأن فقدان الشهية على الحية يجعلك فريسة أسهل للعدو.