لم تكن المرة الأولي التي تتعرض فيها الولايات المتحدة الأمريكية لمظاهرات عارمة بسبب الوجه القبيح الذي تكشفه الشرطة هناك خاصة ضد السود لكن في كل مرة تطلع برأسها مثل هذه الأمور تكشف عن الأرض الرخوة التي تقف عليها الدولة الأمريكية بعدما تخلت في الثلاثة عقود الأخيرة عن القيم والمبادئ التي قامت عليها الدولة قبل ثلاثة قرون ونيف تقريبا.
لكن المتابع للشأن الأمريكي عن كثب يستطيع أن يربط الأحداث بعضها البعض ليعرف أن هذه المرة تختلف في الشكل والمضمون.
فتلك هي المرة الأولي التي تواجه فيها الولايات المتحدة منحنيات قاتلة ربما لم تواجهها أثناء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق حيث كانت المعطيات كلها في صالح الولايات المتحدة بداية من سباق التسلح ومرورا بالاقتصاد القوي والتطور التكنولوجي والبحث العلمي وغيره.
لكن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لم تكن روسيا هي المنافس الأول لأمريكا التي خلت لها الساحة الدولية لتصبح الشرطي الوحيد الحاكم بأمره.. حتى إنشقت الأرض ليخرج التنين الصيني عن طريق الاقتصاد متسلحا بطفرات قوية وسريعة حققها في المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والتي من خلالها حقق الاقتصاد الصيني معدلات للتنمية غير مسبوقة في العالم دفعت به لمزاحمة أمريكا وتخطي العديد من الدول الصناعية الكبرى في ميزان المدفوعات بما فيها ألمانيا واليابان.
وبدأ العالم يقترب من المارد الجديد لحمايته من الشرطي الأمريكي الذي فشل في إدارة العالم وتسبب في حروب كثيرة أشهرها الحربين العراقية والأفغانية والأسوأ من ذلك كذبه على العالم في هذين الحربين وبعدها ممارسة دور البلطجي لفرض إتاوة على الدول بما فيها الحليفة بعد تراجع الاقتصاد الأمريكي وارتفاع نسب البطالة وأمور أخري تتعلق بملفات عديدة داخلية وخارجية لم يحسن آخر ثلاثة رؤساء إدارتها.
وجاءت جائحة كورونا لتزيد من أعباء الإدارة الأمريكية بل والأخطر من ذلك كشفها لضعف الدولة في إدارة هذه الأزمة وسقوطها سقوط مروع في براثنها!
وتعيش أمريكا حالة من التوتر المستمر منذ فترة بعد أن كشفت العديد من المؤسسات الاقتصادية العالمية ومنها الأمريكية أن الصين سوف تحتل صدارة المشهد العالمي في النصف الثاني من العقد الحالي ولم تفلح كل المحاولات الأمريكية للحفاظ على الخريطة العالمية كما هي بل أصبح من المؤكد أنها سوف تتغير ليصبح العالم متعدد الأقطاب خلال الفترة القادمة وتظهر دول وقوي جديدة على الساحة لتبرز وتحصل على مكانة في العالم الحديد.
ورغم أن فيروس كورونا لم يفصح بكل أسراره إلا أن كل السيناريوهات مفتوحة وأتصور أن الصين وروسيا والهند وغيرهم لن يجعلون فرصة تغيير العالم تهرب من أيديهم وربما نحن أيضا نأمل ذلك لأن مصر بسياساتها المتزنة وتحقيقها لمعدلات عالية من النمو الاقتصادي وهي تبني مصر الحديثة أصبحت مؤهلة أكثر من أي وقت مضي لاحتلال مكانة جيدة بين أفضل عشرة إقتصاديات في العالم.
والله من وراء القصد.