الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مهاجرات ليبيات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت في دراسة أنثربولوجية عن واحة صحراوية بجنوب ليبيا(براك/ الشاطي)، انتبهتُ إلى كتاب بالإيطالية:(إلى فزان) صدر عام ١٩٣٢ م، لرحالة جابت واحات متعددة، والتقطت صورا مثلت نوادر ما التقط لتلك الجغرافيا، بل وتتفوق عنايةً مشهديةً فرجوية قياسا برحالة أجانب عبروا ليبيا، لم يهتموا كثيرا بالصورة، وثقت ذلك الإيطالية «أونورينا بتروتشي» زوجة الضابط الإيطالى الموظف بالقلعة العسكرية إبان الاستعمار الإيطالى، ستنزل معه بقلعة براك/ الشاطى المركز الإدارى لشريط واحات الجنوب، ثم تركب حصانها وتسوح الواحات (صحراء جنوب غرب) واحة واحة، آقار، برقن، براك، أدرى، وماميز كتابها والذى لم يترجم إلى العربية إلى يومنا هذا، هو كم الصور التى حفظت لأجيال لاحقة مناظر لم يعد لها أثر، ورحل معاصروها، كعيون الماء الجوفية، وكثافة غابات النخيل، وأماكن تعليم الأطفال وهى غرفة ملاصقة للجامع (المحضرة)، كما أظهرت نساء خرجن مترافقات يحملن حطبا على رؤوسهن يتحركن بحرية في مساحة واسعة من المكان، وصورهن تظهر ملامحهن بوضوح، حين قام بمساعدتى الأستاذ محمد الحرابى، مترجما بعض من صفحات الكتاب، لفتتنى الكتابة الشاعرية التى وصفت بها رمال وأزقة وليل الواحة، وخرير المياه العذبة، بل إنها كتبت عن كشفها، أن للضفادع إذا ما تجمعت معزوفتها، تؤنس وحدة قمر ليل الواحة!.

مفردة الهجرة، والسفر رحلة وعودة في المبتدأ ستجعل من «المهاجرات الليبيات» رفقة عوائلهن هربا من الفاشية الإيطالية مع مطلع القرن العشرين، علامة تاريخية فارقة لمن برزن كفاعلات دؤوبات في تاريخ مشروع النسوية على مستوى ليبيا رغم كل الظروف العسيرة، إذ سيرجعن مؤهلات بالشهادات المتوسطة والعليا، من بلدان أتيحت فيها فرص التعلم والمعرفة، عندما كانت ليبيا ترزح تحت احتلال إيطالى في العقد الأول من القرن العشرين، جغرافيتها ساحة ضيم وقهر، قاربوا المليون من قتلوا ظلما، معتقلات إبادة، وإعدام صورى جماعى، ونفى إلى جزر إيطالية مات أغلبهم في البحر، المرتحلات العائدات الرائدات كن مؤسسات وداعيات لولوج أبواب العلم والمعرفة، والعمل المتخصص، والمجتمع الأهلى والمدنى، المعلمة جميلة الأزمرلى، والممثلة المسرحية سعاد الحداد عادتا من دمشق، صالحة ظافر من المدينة المنورة، ثم روما، زعيمة البارونى من مصر،وبين السفر الممتد لسنوات، وسفر محدد تسنى السفر أيضا لبعض من الليبيات في مدن المراكز للدراسة والعمل، ففى عام ١٩١٢ كانت الشابة حميدة العنيزى قد التحقت من بنغازى بمعهد المعلمات المسلمات بخارج ليبيا قاطعة رحلة مخرت عباب البحر مع والدها، لكن سفرها اللاحق مترددة على مصر في الأربعينيات ستقطعه وحيدة، وفى أحداها ستجلب معلمات لأول مدرسة رسمية للبنات عقب الحرب العالمية الثانية (١٩٤٦م)، وفاطمة حسين كاره معلمة من معهد معلمات بالإسكندرية، وفى ذات هذا العقد أيضا ستقفل فتحية عاشور عائدة من جامعة القاهرة بشهادة في اللغة والأدب الإنجليزي ما سيؤهلها بجدارة لتصير أول مديرة لمدرسة بقلب مدينة درنة (شرق ليبيا )، كما تولى منصب إدارة تعليمية بالمدن الأطراف، والتى سيذكرها المؤرخ اللبنانى نقولا زيادة في رسائل لزوجته، مضمنة كوثيقة بكتابة رسائل من برقة (برقة الولاية التى عمل بها مساعد ناظر للمعارف)، أما شقيقتها زينب عاشور فستتوج كأول مشتغلة بالسفارة االيبية بالقاهرة ١٩٦٣م، ثم بهيئة الامم المتحدة (لثلاثين عاما). ولن ننسى الرائدة رباب أدهم وماجدة المبروك اللتين كانت وجهتهما الجامعة الأمريكية/ بيروت (١٩٥٩،١٩٥٨م)، وستدون رباب سيرتها ورحلها التعليمى والحياتى في كتابها المهم (دروب في الحياة - ٢٠١٢) فهى أبنة الارتحال الفاعل في أثره، ولها منه نصيب ولادة، ونشأة، من سوريا، إلى الأردن، ثم بيروت فمصر، إيطاليا.