من تابع حالة المصريين وقت عرض حلقة ملحمة البرث ضمن مسلسل الاختيار سوف يتأكد من أصالة هذا الشعب الذى رغم معرفته مسبقا باستشهاد أفراد الكمين إلا أنه كان يتعجل وصول الدعم والإمداد للأبطال لإنقاذهم، هذه الروح العنيدة والطيبة في ذات الوقت لا يمكن أن يعيش على تخومها الإرهاب والجهل والتخلف ولا بد لها أن تنتصر.. لذلك كان من الطبيعى أن يتمرغ علم الدواعش في التراب وعدم السماح برفعه ولو لثانية واحدة في مربع البرث.. وكان من الطبيعى أن تدور المعركة حتى آخر رصاصة في يد أبنائنا.
الحالة التى عاشها الناس وقت عرض هذا المشهد التمثيلى للمعركة تقول ما قلناه قبل ذلك ألف مرة.. قوتك الناعمة يا مصر أقوى من جعجعات التكفير ورصاصات الغدر.. أقوى من الإسفاف في برامج التوك شو وإهدار الأموال سواء كانت خاصة أو عامة في أعمال تولد ميتة.. لدينا كل الإمكانيات في البنية الأساسية الإبداعية لنقول للعالم إن المصرى الذى خلقه الله مرفوع الرأس مستعد للتضحية حتى تفنى الأرض ومن عليها.
مسلسل الاختيار نموذج يمكن البناء عليه ولولا دخول الشيخ عبد المعز في المشهد وتدليسه دفاعا عن ابن تيمية لقلنا إن المسلسل كامل مكمل.. هذه السقطة لن نتوقف عندها حتى لا نفسد على الناس فرحتها بصمود أبطالهم على كل شبر في سيناء.. حتى لا نشوه قدسية الدماء التى نزفت في مربع البرث الذى شهد ارتقاء أجمل ما فينا المنسى ورفاقه.
مواجهة الإرهاب واجتثاث جذوره لن تكتمل إلا بدعم وتطوير كل أدواتنا الثقافية والإبداعية لندع مائة زهرة تتفتح.. الهواء النقى الذى يتنفسه الناس مع كل إبداع أصيل قادر على تطوير الوعى قادر على أن يصنع نوعية جديدة للحياة على أرض المحروسة عمادها التقدم والمدنية والحضارة.
لا تنقصنا الإمكانيات لكى نندفع في هذا المسار.. الأغنية المتعوب عليها في الكلمات واللحن والتوزيع والأداء قادرة على تغيير الواقع نحو الأفضل بما يتجاوز عشرات المحاضرات النظرية.. الفيلم أو المسلسل المنحاز لطموحات الناس يمكن لهما غرس الانتماء وترسيخ الوحدة الوطنية وتوفير دماء جنودنا البواسل في مواجهاتهم المتكررة ضد قوى الظلام ومؤامرات الخصوم التى تنطلق من العواصم القريبة والبعيدة.
الحلقة ٢٨ من مسلسل الاختيار وما تلاها يمكن اعتبارها رسائل مشفرة لمن تسول له نفسه الاعتداء على بلادنا.. لم يكن استشهاد أبطالنا مجانيا أبدا. وقد تجلى ذلك في حالة الذعر التى انتابت قناة الجزيرة راعية الإرهاب وداعمة الإرهابيين في العالم.. حتى أنها دافعت عن المشنوق عشماوى ثم حذفت ما بثته خوفا من توثيق الفضيحة وملاحقتها كرأس أفعى لطحنها.
علامتان لهما ضوء واضح في الفترة الأخيرة فيلم الممر ومسلسل الاختيار فهل ننتظر علامات جديدة مماثلة تساعد على محو ما استقر في عقول المختطفين ذهنيا ويعيشون معنا على نفس الأرض.. إن عمليات التجريف الذهنى التى استمرت أربعين عاما منذ اختراع دولة العلم والإيمان تركت تشوهات كبيرة لدى البعض لن يعالجها إلا الإصرار على بناء دولة مدنية حديثة أساسها القانون ومواجهة الفساد. لنمحو من الذاكرة تحالف السادات معهم وصمت مبارك عنهم.. نحن في دولة ٣٠ يونيو صاحبة التفويض والشرعية للقيادة باتخاذ ما يلزم للقضاء على الإرهاب وداعميه ومموليه وضرب ملاذاته الآمنة في العمق.
المعركة طويلة ومستمرة ومتواصلة.. وفى المعركة كلنا جنود ندفع الفاتورة معا، لا يرهبنا تلاسن من متثاقف مشبوه نلتفت لطابور المتمولين الذين عملوا بكل جهد لتسميم ذاكرة الناس والتعامل مع الخيانة كوجهة نظر، طالبنا ونطالب ولن نمل من تكرار مطالبنا.. دولة القانون والمدنية والحداثة والوحدة الوطنية لا أقل من ذلك ولا أكثر.. هذه المطالب هى أقل واجب نقدمه لكى يرتاح الشهيد في نومته الأبدية.. مواجهة الفساد في قطاع الإعلام وميدان الإبداع يمكن له أن يفعل مفعول السحر ولنا في الممر والاختيار أسوة حسنة.
