الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مبضع الجراح بين الطبيب والفنان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أفزعني ما دار على السوشال ميديا من صراع حول قيمة الطبيب وقيمة الفنان ومحاولة الكثيرين تشويه صور الفن والفنانين بعد إصابة الفنانة رجاء الجداوي بفيروس كورونا، وأحزنني ما اتضح من جهل الكثيرين بقيمة الفن الحقيقي وما يعود عليهم من منافع ،حتى ولو لم يدركوها، وظنهم بأن الفن لو توقف لن يحدث شئ ولن ينقصهم الكثير .
في البداية نشير الى أنه لا يصح المقارنة بين مهنة واخرى فكل المهن ضرورية ومهمة للمجتمع فلا يمكن لمجتمع أن ينمو ويرتقي في عدم وجود مهنة من المهن بدايةً من الرئيس والوزير وحتى الغفير وعامل النظافة ،فالمجتمع مجموعة من التروس الميكانيكية التي تُحرك بعضها البعض او مجموعة من صور البازل التي أن تكونت وتكاملت بشكل منظم وسليم اصبح المجتمع منظم وسليم وراقي ، فكما يحتاج المجتمع الى طبيب يعالج الامراض ،يحتاج ايضاً الى فنان يرفه عنه ويخفف من ضغوطه النفسية والعصبية ،الى جانب دوره الثقافي والتعليمي والارشادي للمجتمع ،لذا فاي نوع من انواع المقارنة تندرج تحت باب البهتان واختلاق المشاكل والصراعات.
الطب مهنة الملائكة ،فالطبيب اداة الله في رفع الالم وعلاج المرض ،ولا يستطيع اي انسان مهما كان أن يقلل من قدر الاطباء أو يتغافل عن دورهم او لا يحتاج اليهم منذ ولادته وحتى وفاته ، والفن أيضاً ،حتى ولو لم تدركون، لا يمكن العيش بدونه ،فمجتمع بلا فن يصبح مجتمع جاف وقاسي ،يجعل المشاعر كالارض البور التي لا تؤتي بثمار ، ويصبح ارض خصبة لزرع بذور الارهاب والتطرف والعنف بكل أشكاله ، فالفن الذي هو مراءة الواقع ،والمؤثر فيه، يشير الى العيوب التي يجب التخلص منها ويضئ على المميزات التي يجب تنميتها وأستثمارها ، فكما يمسك الطبيب بمبضعه كي يستأصل امراض الجسد الخبيثة هكذا يمسك الفنان بمبضعه كي يستأصل أمراض المجتمع الخبيثة ، فكما يطهر الطبيب جسد المريض من مرضه يطهر الفنان جسد المجتمع من عيوبه ،بل أن أولى أهداف الفن حسبما وضع ارسطو في كتاب "فن الشعر" هو إحداث التطهير لدى المتلقى سواء من خلال التراجيديا التي تُطهر بالبكاء ،او الكوميديا التي تُطهر بالضحك ، وفى الحالتين يحدث ذلك من خلال خوف المتفرج من الوقوع في نفس مصير البطل ، ومع تطور الفن والتعامل مع جزء كبير منه من باب التسلية والترفيه عن المتفرج أصبح له اهمية كبرى في التخفيف عن المتفرج الذي يخرج من عالمه الواقعي الملئ بالصعاب والمشاكل الى عالم افتراضي ينسى فيه همومه حتى لو استمر ذلك لمدة ساعة اوبضع دقائق ، وهو لو تعلمون لهام نفسياً لكم وأن كنتم لا تشعرون.
الفنان الحقيقي ،ولابد ان نميز بين مصطلح فنان ومصطلح نجم ومصطلح ممثل او مؤدي ، هو من يحمل رؤية لمجتمعه وينظر للواقع بشكل مختلف عن عوام الناس ويستطيع أن يدخل الى أدق تفاصيله ليستخدمها من خلال فنه حتى يقدم للجمهور صورة مشابهة للواقع ، وهو يشبه الطبيب الذي يتفحص الاشعة والتحاليل كي يوصف للمريض العلاج السليم ، ولا ننسى حالة الانتماء الوطني التي لم يمر عليها الا ايام قليلة نتيجة عرض مسلسل الاختيار الذي أوضح جزء بسيط من بطولات رجال الجيش المصري في مواجهة الارهاب ،وهو ما جعل نفس رواد السوشيال ميديا يتعاملون مع حادث البرث وكأنه تم يوم عرض الحلقة من المسلسل متناسين أنه لم يتم هذا التعاطف والشحن الوطني الكبير يوم وقوع الحادثة في عام 2017 ، ولولا هذا العمل "بعيداً عن تقييمه فنياً" لكان الكثيرون يتعاملون مع استشهاد الجنود وشهداء الوطن بدم بارد ، لكن التصوير البسيط المشابه بشكل أبسط مما يحدث في الواقع جعل الكثيرين يشعرون بمدى الصعاب التي يواجهها رجال الجيش وهم يواجهون الموت في كل لحظة من الارهاب.
الامثلة عن الاعمال الفنية ذات القيمة وذات التأثير كثيرة، والامثلة عن الفنانين الذين قدموا خدمات للوطن كنموذج مشرف لبلادهم في خارج مصر أكثر وأكثر ، ولا ننسى أن الفن هو القوة الناعمة التي جعلت مصر تحتل بلدان الوطن العربي من خلال فنها الذي أرتبط به الجمهور العربي وأصبح متأثراً بالثقافة المصرية وبالعادات والتقاليد وحتى النكات المصرية دون اي عناء لمجرد متابعتهم للفن والفنانين المصريين ، فلا تجعلوا الخبثاء واعداء الوطن يستغلون الفرصة لزرع بذور الفتن بين اصحاب المهن التي لا يستقيم المجتمع بدون أحدها.