السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الكورونا بين الحقيقة والوهم والخيال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بينما العالم مستغرقا فى مآسيه الإنسانية ..غارقا فى نزعاته المستبدة..متعاديا ..متصارعا ..متقاتلا ..تفاجئه الطبيعة إذا ما جاز هذا التعبير بشىء جديد مدهش..خطف الألباب والعقول ..وأوقف جميع مناحى ومسارات الحياة ..وتسلطت عليه الأضواء ..وانتقلت به إلى منطقة جديدة واستغرقته تماما حتى لم يعد قادرا أن يكون على مثل ماكان ..فلم يكن حدثا مثل تلك النوعيات التى اعتدنا عليها وعرفناها رغم هولها وشدتها كالبراكين أو الزلازل أو الفيضانات أو الأعاصير التى تميزت دائما بمحدودياتها زمنيا ومكانيا ..بل جاء هذا الحدث الجديد ليطلق عليه وصف العالمية فهو ممتد من حيث المكان والزمان ..فلاتعرف له أرضا يسكنها ..ولا زمنا يستغرقه فيها ..ولاتعرف بماذا هو فاعل بنا 
وأصبحت الكورونا المستجدة وهى جديرة بهذا اللقب وتستحقه لانعرف أصلها ولا فصلها ولا من أين أتت ولا ماذا تريد ومتى ترحل ولامتى تبقى..فالعالم يغنى بالكورونا ..ويحيا بها..ويخاف منها ويهرب بعيدا عنها مختبئا ..ويطلق نكاته الساخرة وتعليقاته البائسة معبرا عن سخطه واستيائه.
ولكن.. ولأن الكورونا قد أتت لنا بجزء من الحقيقة وليس الحقيقة كلها ..فقد كان لغموضها سببا فى أن يتسلل إليها الوهم الانسانى يبحث فى خباياها عن مغامرات إنسانية جديدةغير مبالى بأخطارها ..فكان لاطلاق عنان الوهم فى معرفة حقيقة الكورونا سبيلا لبزوغ نظرتين فى الوهم ..إحداهما من مؤيدى أفكار المؤامرات الكونية..والأخرى من أنصار الابتلاءات الربانية ..ومازال العالم يعيش ويحلم بتسجيل لحظات المجد الانسانى فى القضاء على هذا العدو والخصم الغامض ورفع راية الكبرياء الانسانى على الأرض ..ويعيش أيضا لحظات الضعف والتراجع بين الفشل وعدم القدرة على تحقيق الانتصار والخلاص 
وبين الحقيقة التى نعرفها أوندعى اننا نعرفها ..وبين اللاحقيقة التى نعرفها أو لانعرفها ..ينطلق خيالى الواهم المسكين ..فأعدت فى نفسى ماوفرته لى ذاكرتى المندحرة من دروس الأحياء التى تلقيتها فى تعليمى المندثر من خصائص الكائن الحى ..فمازلت أتذكر أننى واحد منهم ..وأنه يتنفس ويتغذى ويتحرك ويتزاوج ويتكاثر وينمو ويشعر ويحس ..ولعلى أجد أننى قد فقدت كثيرا من تلك الخصائص أو بعضها أو تبدل البعض الأخر منها ..فقد بدأت أفقد تدريجيا حاسة اللمس فهى محددة ومغلفة بقيود وأغلال ..وهى تكاد تكون من المحرمات فى حياتنا الأن ...فقد استقر فى أعماق عقلى الباطن تعبير وأمر فعل (لاتلمس)..وقد لاحظت أن هناك تغييرات قد بدأت تطرأ بشأن النمو والكبر ستظهر آثارها حتما لاحقا ..وهى تغييرات سيكولوجية فسيولوجية مرتبطة بمراحل العمر المختلفة ..وفى الحركة أصبح التقيد والبقاء والسكون هم الأمر الغالب ..فتحول جزء كبير من ديناميكياتى المتحركة إلى استكاتياتى الساكنة ..ففقدت كثيرا من حيويتى وقدرتى وحريتى ..
وقد يحدث أو يكون قد حدث بالفعل ولأول مرة فى تاريخ الانسانية أن يصبح عدد المواليد مساويا أو مقارباإلى عدد المتوفيين فى العالم فقد توقفت الزيجات واختفت محافل الاقتران والتقارب الجسدى وانعدمت العلاقات الحميمية بين الجنسين بينما يشهد العالم كل يوم شهداء جدد للكورونا
جاءت الكورونا لتكون ضد كل ماهو طبيعى وانسانى وجميل ..ومثلما صنعت ألامنا وأوجاعنا وحصدت كثيرا من أرواح ممن أحببناهم وتوجعنا لفراقهم ..أعادتنا إلى أشياء جميلة كنا رميناها وراء ظهورنا ونحن نمضى فى حياتنا ..لقد جعلتنا الكورونا نفكر من جديد ..ولكن بطريقة أخرى وبمعطيات مستحدثة ووضعتنا أمام تحديات جديدة ..ووضعت العالم كله والفكر البشرى أمام مسئولياته الإنسانية والأرضية ..
حتما التجربة قاسية ومريرة ومفجعة ..والبشرية أمامها صامدة ..وقد تخرج منتصرة بعد حين ..ولكن ستمضى طويلا فى تضميد جراحها وتبحث عن حلول أخرى لمداواة جروح الكورونا النفسية والذهنية ..وستبحث عن طرق وأساليب جديدة للعيش والبقاء 
سنمضى وتمضى معنا الكورونا المستجدة والتى سيأتى يوما لنغير اسمها لتكون الكورونا المتلازمةاو الراحلة ...(الكورونا المستجدة سابقا)..فهى أم ترحل أم لتبقى ..وعلينا أن نعى ذلك وندركه ونتعامل معه