يقف الرئيس الأمريكى اليوم في مشهد هو أقرب للكوميديا السوداء قائلا «اسألوا الصين»!!.. للحق لم نجد في العالم من يتحدث وتصغو له الآذان إلا الصين، الكل ينتظر إشارة من الصين فيما يتعلق بالاقتصاد وعودة الحياة. في ظل جائحة كورونا وجدنا حاجة ماسة لإعادة قراءة تاريخ العملاق الصينى، وقد وجدنا أن العلماء والرحالة العرب اهتموا بالصين وأشاروا لها بالبنان، فمثلا سنجد ابن خلدون في القرن الـ١٤ الميلادى، يكتب: «نجد أوطان العرب وما ملكوه في الإسلام قليل الصنائع بالجملة حتى تجلب إليه من قطر آخر، وانظر بلاد العجم من الصين، والهند، وأرض الترك، وأمم النصرانية كيف استكثرت فيهم الصنائع، واستجلبها الأمم من عندهم». وهنا لفت الأنظار إلى براعة الصين في الصناعات والحرف. ولم يكن واضع أسس علم العمران والاجتماع فيما بعد هو وحده، بل كتب الرحالة ابن بطوطة أيضا في الفترة التاريخية نفسها عن أهل الصين: «وأهل الصين أعظم الأمم إحكامًا للصناعات وأشدهم إتقانًا فيها، وذلك مشهور من حالهم، قد وصفه الناس في تصانيفهم فأطنبوا فيه، وأما التصوير فلا يجاريهم أحد في إحكامه من الروم ولا من سواهم؛ فإن لهم فيه اقتدارًا عظيمًا».
ومؤخرًا صدر كتاب مهم عن دار «العربى» للنشر للكاتب مايكل ديلون، مؤسس مركز الدراسات الصينية المعاصرة بجامعة «دورهام» البريطانية، وقدم له د. أحمد السعيد المتخصص في الشأن الصينى، وترجمته نانسى محمد، بعنوان «مختصر تاريخ الصين». يتناول فيه تاريخ الصين عبر ٥ آلاف عام.. الكتاب القيم يقع في أكثر من ٥٠٠ صفحة، يتحدث بشكل مبسط عن بدايات الحضارة الصينية وتكوينها مع لمحة للصين في عصور ما قبل التاريخ، والتى تعود وفقا للكتاب إلى أكثر من ١١ ألف عام، ويشرح تاريخ الصين عبر ٢٤ مرحلة زمنية، أهمها عصر أسرة «تانج». وهو بمثابة العصر الذهبى، كان وضع الصين فيه يشبه وضعها الحالى كمصنع للعالم. وينتهى الكتاب بشرح كيفية سقوط الإمبراطورية الصينية الذى بدأ تدريجيا مع دخول أسرة «يوان». وهم المغول الذين وفدوا على الصين من آسيا الوسطى، ويصل الكتاب بنا إلى سقوط آخر الأسر الإقطاعية عام ١٩١١، وقيام جمهورية الصين الأولى، والتى استمرت حتى عام ١٩٤٩، ونعرف كيف تأسست الصين الحديثة في أكتوبر عام ١٩٤٩ على يد ماو تسى تونج.
وكما يشير الكتاب إلى أن الصين اليوم تتكون من ٥٦ عرقية، لكن أهم الأسر الصينية الحاكمة كانت أسرة «هان». التى جاء منها نسل ٩٣٪ من الصينيين المعاصرين، نتعرف من التاريخ على طبيعة أمة الصين ونضالهم المستمر على مدى تاريخهم الذى شهد الكثير من الصراعات الداخلية بين ممالك الشمال والجنوب، ثم الصراعات والاعتداءات الخارجية والاحتلال الفرنسى والروسى واليابانى، ناهيك عن «حرب الأفيون». التى كانت نوعا من الحرب الغربية على الصين لإجبارها على الدخول في النظام العالمى. سنعرف أن سياسة «الاعتماد على النفس» لم تنشأ من فراغ، ولم يجعل الصينيون من الزيادة السكانية عائقًا أمام تقدمهم، بل تكاد تكون الأمة الصينية هى التى قدرت رأس المال البشرى حق قدره، فعملت على تحسين أنظمة التعليم والقضاء على الأمية، وتحسين النظم الصحية حتى أنهم دربوا الفلاحين للقيام بمهام الإسعاف السريعة، وأطلقوا عليهم «الأطباء الحفاة».
ولن يخفى على محبى الأدب الصينى وجود تجارب المعاناة من الفقر والجوع التى عبرت عنها أشعار وروايات كبار الأدباء في الصين، كان آخرهم أديب نوبل «مو يان». الذى التقيته في الجزائر نهاية عام ٢٠١٨، وقال إنه ظل طوال حياته بقرية كاومى، ولم يتمكن والداه من إلحاقه بالمدرسة، ولم يزر المدينة إلا بعد أن أصبح عمره ٢٠ عاما، لكنه كان يحول أحلامه إلى روايات وقصص، وبالفعل وصل إلى نوبل وحصدها عام ٢٠١٢ عن روايته «الذرة الرفيعة الحمراء». هكذا يبدو الشعب الصينى الذى بغض النظر عن كونه منبعا للأوبئة، ينفض عنه الكوابيس ويحول أحلامه إلى واقع فرض نفسه على العالم!