في خطوة ربما تزيل كثيرا من اللبس حول الأزمة الليبية المستعصية على الحل منذ أن سقط نظام معمر القذافى في بدايات العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين في إطار الموجة التى ضربت المنطقة تحت مسمى التغيير، طالب محمد سيالة وزير خارجية حكومة ما يسمى الوفاق من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاى اتخاذ الإجراءات الضرورية والملحة للتحقيق في الاتهامات التى تراها هذه الحكومة فاقدة الشرعية ضد الجيش الوطنى الليبى الذى يقوده خليفة حفتر، حيث جاء في رسالة سيالة أن الجيش الوطنى لم يترك خرقا ولا انتهاكا للقانون الدولى والقانونى الدولى الإنسانى إلا وارتكبه.
ومن ثم، يصبح تحرير هذه الرسالة وتحقيقها كما تعلمنا على أيدى أساتذة السياسة والتاريخ، أمرا مهما لكشف كافة الملابسات الغامضة بل وربما المتعمد اخفاؤها في الملف الليبى الذى أصبح ساحة لتواجد القوى الدولية والإقليمية وأجهزتها المخابراتية للعب في أبعاد هذا الملف وتحريك أتباعها ومرتزقتها ضد أبناء الشعب الليبى.
وفى البداية يجب تمعين النظر في المقصود من الرسالة إلى الجنائية الدولية، هل التوجه إلى هذه المحكمة أمر ترى فيها حكومة الوفاق مخرجا للأزمة التى وقعت فيها، إذ حاولت هذه الحكومة إرباك المشهد الليبيى ما بعد اتفاق الصخيرات من خلال تحويل بنود الاتفاق وتفاصيله لما يصب في مصلحتها ومصلحة حلفائها من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التى وجدت في الأرض الليبية الواقعة تحت سيطرتها ملاذا آمنا بعدما اشتدت أوضاعها سوءا في العراق وسوريا وغيرها من مناطق الصراع؟ وما دلالة اللجوء إلى الجنائية الدولية في هذا التوقيت على وجه الخصوص؟
وفى خضم الإجابة على هذين السؤالين، يكشف لنا الواقع أن التوجه إلى الجنائية الدولية ما هى إلا محاولة فاشلة من جانب حكومة الوفاق وحلفائها من الأنظمة الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية للقفز على الأحداث بعدما أصيبت بالعديد من الهزائم العسكرية أمام تقدم قوات الجيش الوطنى الليبي، محررا العديد من المدن الليبية في معركة لا تزال أحداثها جارية لم تحسم بشكل نهائى. وقد أرادت جماعة السراج أن تخلط الأوراق ما بين عسكرى على أرض الواقع وسياسى من خلال التوجه إلى المحكمة التى يجب أن تكون منصة لمحاكمة حكومة الوفاق وأذنابها، ليس فقط بسبب تجاوزاتها وانتهاكاتها المستمرة بحق أبناء الشعب الليبى حينما استعانت بقوات مرتزقة من مختلف الدول لقتلهم وتشريدهم وتهجيرهم وتحويل رقعة الأرض الواقعة تحت سيطرتها إلى إمارة جديدة للتنظيمات الإرهابية، وإنما يجب أن تحاكم هذه الحكومة أيضا بسبب موقفها المخالفة للقوانين الدولية والتشريع الليبي حينما وقعت اتفاقيات مع تركيا الأردوغانية لسلب ونهب ثروات الشعب الليبى في البحر المتوسط من خلال اتفاقية الترسيم البحرى، فضلا عن الاستعانة بالإرهابيين الذين تحركهم تركيا في جوارها الجغرافى ونقلهم إلى الأراضى الليبية للقتال إلى جانب عناصر هذه الحكومة ضد أبناء الشعب الليبي.
ملخص القول إن ما أقدمت عليه حكومة السراج في توجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية إنما هى خطوة استباقية خشية أن تجد نفسها أمام هذه المحكمة حينما تتكشف الحقائق وتنجلى الغمة عن الشقيقة الليبية ويستعيد المواطن الليبي أرضه ووطنه تحت قيادة وطنية وفى حماية جيش وطنى لا يضم بين جنباته مرتزقة أردوغان وأذنابها، ولكن هذه الخطوة لن تجدى نفعا ولن تحميها من المسئولية الجنائية على جرائمها التى ارتكبتها بحق الشعب الليبى.